كالضَّمَانِ، ولأنَّ اللهَ تَعالى قال:{وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}. فجَعَلَهُ بَدَلًا عن الكِتَابَةِ، فيكونُ فى مَحَلِّها، ومَحَلُّهَا بعدَ وُجُوبِ الحَقِّ، وفى الآيةِ ما يَدُلُّ على ذلك، وهو قولُه:{إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}. فجَعَلَهُ جَزَاءً لِلمُدَايَنَةِ مَذْكُورًا بعدَها بفاءِ التَّعْقِيبِ. الحالُ الثانى، أن يَقَعَ الرَّهْنُ مع العَقْدِ المُوجِبِ لِلدَّيْنِ، فيقولُ: بِعْتُكَ ثَوْبِى هذا بِعَشَرَةٍ إلى شَهْرٍ (١١)، تَرْهَنُنِى بها عَبْدَكَ سَعْدًا. فيقولُ: قَبِلْتُ ذلك. فيَصِحُّ أيضا. وبه قال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وأصْحَابُ الرَّأْىِ؛ لأنَّ الحاجَةَ دَاعِيَةٌ إلى ثُبُوتِه، فإنَّه لو لم يَعْقِدْهُ مع ثُبُوتِ الحَقِّ، ويَشْتَرِطْ فيه، لم يَتَمَكنْ من إلْزَامِ المُشْتَرِى عَقْدَهُ، وكانت الخِيَرَةُ إلى المُشْتَرِى، والظَّاهِرُ أنَّه لا يَبْذُلُه، فتَفُوتُ الوَثِيقَةُ بالحَقِّ. الحالُ الثالث، أن يَرْهَنَهُ قبلَ الحَقِّ، فيقولُ: رَهَنْتُكَ عَبْدِى هذا بِعَشَرَةٍ تُقْرِضُنِيها. فلا يَصِحُّ فى ظَاهِرِ المَذْهَبِ. وهو اخْتِيَارُ أبى بكرٍ والقاضِى. وذَكَرَ القاضى: أنَّ أحمدَ نَصَّ عليه، فى رِوَايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ. وهو مذهبُ الشَّافِعِىِّ. واخْتَارَ أبو الخَطَّابِ أنَّه يَصِحُّ. فمتى قال: رَهَنْتُكَ ثَوْبِى هذا بَعَشَرَةٍ تُقْرِضُنِيهَا غَدًا. وسَلَّمَهُ إليه، ثم أَقْرَضَه الدَّرَاهِمَ، لَزِمَ الرَّهْنُ. وهو مَذهبُ مالِكٍ وأبى حنيفةَ؛ لأنَّه وَثِيقَةٌ بحَقًّ، فجازَ عَقْدُها قبلَ وُجُوبِه، كالضَّمَانِ، أو فجَازَ انْعِقَادُها على شىءٍ يَحْدُثُ فى المُسْتَقْبَلِ، كضَمانِ الدَّرْكِ. ولَنا، أنَّه وَثِيقَةٌ بحَقٍّ لا يَلْزَمُ قَبْلَهُ، فلم تَصِحَّ قَبْلَهُ كالشَّهادَةِ، ولأنَّ الرَّهْنَ تَابعٌ للحَقِّ، فلا يَسْبِقُه، كالشَّهَادَةِ، والثَّمَنُ لا يَتَقَدَّمُ البَيْعَ. وأمَّا الضَّمانُ فيَحْتَمِلُ أن يُمْنَعَ صِحَّتُهُ، وإن سَلَّمْنَا فالفَرْقُ بينهما أن الضَّمَانَ الْتِزَامُ مَالٍ تَبَرُّعًا بالقَوْلِ، فجازَ من غيرِ حَقٍّ ثابِتٍ، كالنَّذْرِ، بخِلَافِ الرَّهْنِ.