للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: ومَنْ يُرْجَى زَوَالُ مَرَضِه، والمَحْبُوسُ ونَحْوُه، ليس له أن يَسْتَنِيبَ. فإن فَعَلَ، لم يُجْزِئْهُ، وإن لم يَبْرَأْ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: له ذلك. ويكونُ ذلك مُرَاعًى، فإن قَدَرَ على الحَجِّ بِنَفْسِه لَزِمَهُ، وإلَّا أَجْزَأَهُ ذلك؛ لأنَّه عَاجِزٌ عن الحَجِّ بِنَفْسِه، أشْبَهَ المَأْيُوسَ من بُرْئِه. ولَنا، أنَّه يَرْجُو القُدْرَةَ على الحَجِّ بِنَفْسِه، فلم يكنْ له الاسْتِنَابَةُ، ولا تُجْزِئُه إن فَعَلَ، كالفَقِيرِ، وفَارَقَ المَأْيُوسَ من بُرْئِه؛ لأنَّه عاجِزٌ على الإِطْلَاقِ، آيِسٌ من القُدْرَةِ على الأصْلِ، فأشْبَهَ المَيِّتَ. ولأنَّ النَّصَّ إنَّما وَرَدَ فى الحَجِّ عن الشَّيْخِ الكَبِيرِ، وهو مِمَّنْ لا يُرْجَى منه الحَجُّ بِنَفْسِه، فلا يُقاسُ عليه إلَّا مَن كان مثلَه. فعلى هذا إذا اسْتَنابَ مَن يَرْجُو القُدْرَةَ على الحَجِّ بِنَفْسِه، ثم صارَ مَأْيُوسًا من بُرْئِه، فعليه أن يَحُجَّ عن نَفْسِه مَرَّةً أُخْرَى؛ لأنَّه اسْتَنابَ فى حالٍ لا تجوزُ له الاسْتِنَابَةُ فيها، فأَشْبَهَ الصَّحِيحَ.

فصل: ولا يجوزُ أن يَسْتَنِيبَ مَن يَقْدِرُ على الحَجِّ بِنَفْسِه فى الحَجِّ الوَاجِبِ إجْماعًا. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على أنَّ مَنْ عليه حَجَّةُ الإِسْلامِ، وهو قادِرٌ على أن يَحُجَّ، لا يُجْزِئُ عنه أن يَحُجَّ غيرُه عنه. والحَجُّ المَنْذُورُ كحَجَّةِ الإِسْلامِ، فى إبَاحَةِ الاسْتِنَابَةِ عند العَجْزِ، والمَنْعِ منها مع القُدْرَةِ؛ لأنَّها حَجَّةٌ واجِبَةٌ، فأمَّا حَجُّ التَّطَوُّعِ، فيَنْقَسِمُ أقْسامًا ثلاثةً: أحدُها، أن يكونَ مِمَّنْ لم يُؤَدِّ حَجَّةَ الإِسْلامِ، فلا يَصِحُّ (٦) أن يَسْتَنِيبَ فى حَجَّةِ التَّطَوُّعِ؛ لأنَّه لا يَصِحُّ أن يَفْعَلَه (٧) بِنَفْسِه، فبِنائِبِه أوْلَى. الثانى، أن يكونَ مِمَّنْ قد أَدَّى حَجَّةَ الإِسْلامِ، وهو عَاجِزٌ عن الحَجِّ بِنَفْسِه، فيَصِحُّ أن يَسْتَنِيبَ فى التَّطَوُّعِ، فإنَّ ما جَازَتِ الاسْتِنَابَةُ فى فَرْضِه، جازَتْ فى نَفْلِه، كالصَّدَقَةِ. الثالث، أن يكونَ قد أَدَّى حَجَّةَ الإِسْلامِ، وهو قادِرٌ على الحَجِّ بِنَفْسِه، فهل له أن يَسْتَنِيبَ فى حَجِّ التَّطَوُّعِ؟


(٦) فى م: "يجوز".
(٧) فى م: "يفعل".

<<  <  ج: ص:  >  >>