للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا ضَمَانَ على المُكَارِى فيما تَلِفَ من سَوْقِه وقَوْدِه، إذ لا يَضْمَنُ بنِي آدَمَ من جِهَةِ الإِجَارَةِ؛ لأنَّه عَقْدٌ على مَنْفَعَةٍ. والأَوْلَى وُجُوبُ الضَّمانِ؛ لأنَّ الضَّمانَ ههُنا من جِهَةِ الجِنَايةِ، فوَجَبَ أَن يَعُمَّ بَنِى آدَمَ وغيرَهم، كسائِرِ الجِنَاياتِ. وما ذَكَرَه يَنْتَقِضُ بجِنَايةِ الطَّبِيبِ والخَتَّانِ.

فصل: فأمَّا (٨) الأجِيرُ الخاصُّ فهو (٩) الذي يُسْتَأْجَرُ (١٠) مُدَّةً، فلا ضَمانَ عليه، ما لم يَتَعَدَّ. قال أحمدُ، في رِوَايةِ مُهَنَّا، في رَجُلٍ أمَرَ غُلَامَه يَكِيلُ لِرَجُلٍ بَزْرًا، فسَقَطَ الرَّطْلُ من يَدِه، فانْكَسَرَ: لا ضَمانَ عليه. فقيل: أليس هو بمَنْزِلةِ القَصَّارِ؟ قال: لا، القَصّارُ مُشْتَرَكٌ. قيل: فرَجُلٌ اكْتَرَى رَجُلًا يَسْتَقِى ماءً، فكَسَرَ الجَرَّةَ؟ فقال: لا ضَمَانَ عليه. [قيل له: فإن اكْتَرَى رَجُلًا يَحْرُثُ له على بَقَرةٍ، فكَسَرَ الذي يَحْرُثُ به. قال: فلا ضَمَانَ عليه.] (١١) وهذا مذهبُ مالكٍ، وأبي حنيفةَ وأصْحَابِه. وظاهِرُ مَذْهَبِ الشافِعِيِّ، وله قولٌ آخَر: أنَّ جَمِيعَ الأُجَرَاءِ يَضْمَنُونَ. ورَوَى في مُسْنَدِه، عن عَلِيٍّ رَضِىَ اللَّه عنه، أنَّه كان يُضَمِّنُ الأُجَرَاءَ، ويقول: لا يُصْلِحُ النَّاسَ إلَّا هذا. ولَنا، أنَّ عَمَلَه غيرُ مَضْمُونٍ عليه، فلم يَضْمَنْ ما تَلِفَ به، كالقِصَاصِ وقَطْعِ يَدِ السّارِقِ. وخَبَرُ عَلِيٍّ مُرْسَلٌ، والصَّحِيحُ فيه (١٢) أنَّه كان يُضَمِّنُ الصَّبَّاغَ والصَّوَّاغَ، وإن رُوِى مُطْلَقًا، حُمِلَ على هذا فإنَّ المُطْلَقَ يُحْمَلُ على المُقَيَّدِ. ولأنَّ الأجِيرَ الخاصَّ نائِبٌ عن المالِكِ في صَرْفِ مَنَافِعِه إلى ما أمَرَه به، فلم يَضْمَنْ من غيرِ تَعَدٍّ، كالوَكِيلِ والمُضَارِبِ. فأمَّا ما يَتْلَفُ بِتَعَدِّيه، فيَجِبُ ضَمَانُه، مثل الخَبَّازِ الذي يُسْرِفُ في الوَقُودِ، أوَ يَلْزَقُه قبلَ وَقْتِه، أو يَتْرُكُه بعدَ وَقْتِه حتى يَحْتَرِقَ؛ لأنَّه تَلِفَ بِتَعَدِّيه، فضَمِنَه، كغيرِ الأجِيرِ.


(٨) سقط من: ب، م.
(٩) في ب، م: "هو".
(١٠) في ب، م: "يستأجره".
(١١) سقط من: الأصل.
(١٢) سقط من: ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>