للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِن النَّومَ، ولم يأْمُرْ بغيره، فدَلَّ علَى أنه لا يَجِبُ؛ ولأنَّ الوُجُوبَ من الشَّرْعِ، ولم يَرِدْ بالاسْتِنْجاءِ هُنَا نَصٌّ، ولا هو في مَعْنَى المَنْصُوصِ عليه؛ لأنَّ الاسْتِنْجاءَ إنَّما شُرِعَ لإِزَالةِ النَّجاسةِ، ولا نَجَاسةَ ههُنا.

٣٦ - مسألة؛ قال: (والاسْتِنْجاءُ لِمَا خرَجَ من السَّبِيلَيْنِ)

هذا فيه إضْمارٌ، وتَقْدِيرُه: والاسْتِنْجاءُ واجبٌ. فَحَذَفَ خَبَر المُبْتَدإ (١) اخْتِصارًا، وأرادَ ما خَرَج غيرَ الرِّيحِ؛ لأنه قد بَيَّنَ حُكْمَها، وسواءٌ كان الخارِجُ مُعْتادًا، كالبَولِ والغائِطِ، أو نادِرًا، كالحَصَى والدُودِ والشَّعْرِ، رَطْبًا أو يابِسًا. ولو احْتقَنَ فرَجَعَت أجْزَاءٌ خَرَجَتْ مِن الفَرْجِ، أو وَطِىءَ رَجُلٌ امْرأتَهُ دونَ الفَرْجِ فدَبَّ ماؤُه إلى فَرْجِها ثم خَرَج منه، فعليهما الاسْتِنْجاءُ علَى ظاهرِ كلامِ الْخِرَقِىِّ، وقد صَرَّحَ به القاضي وغيرُه. ولو أدْخَلَ المِيلَ في ذَكَرِه، ثم أخْرَجَه، لَزِمَه الاسْتِنْجاءُ؛ لأنه خارِجٌ مِن السَّبِيلِ، فأشْبَهَ الغائِطَ المُسْتَحْجِرَ، والقياسُ أن لا يجب مِنْ ناشِفٍ لا يُنجِّسُ المَحَلَّ، للمعنَى الذي ذَكَرْنا في الرِّيحِ، وهو قولُ الشافِعىِّ. وهكذا الحُكْمُ في الطَّاهِرِ، وهو المَنِىُّ إذا حَكَمْنا بطَهارتِه. والقولُ بوُجُوبِ الاسْتِنْجاءِ في الجُملة قولُ أَكْثر أهلِ العِلْمِ، وحُكِىَ عن ابنِ سِيرِينَ، فِيمَنْ صَلَّى بِقَومٍ ولم يَسْتَنْجِ: لا أعلمُ به بَأْسًا. وهذا يَحْتَمِلُ أن يكونَ فِيمَنْ لم يَلْزَمْه الاسْتِنْجاءُ، كَمَنْ لَزِمَه الوُضُوءُ لِنَوَمٍ أو خُرُوجِ رِيحٍ، أو من تَرَكَ الاسْتِنْجاءَ ناسِيًا، فيكونُ مُوافِقًا لقَوْلِ الجماعةِ. ويَحْتَمِلُ أنَّه لم يَرَ وُجُوبَ الاسْتِنْجاءِ. وهذا قولُ أبِي حَنِيفَةَ؛ لقَوْلِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فقد أَحْسَنَ، ومَنْ لَا فلَا حَرَجَ". رَوَاه أبو دَاوُد (٢)؛ ولأنها نَجاسةٌ يُكْتَفَى فيها بالمَسْحِ، فلم تَجِبْ إِزالَتُها


(١) في م: "الابتداء".
(٢) في: باب الاستتار في الخلاء، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود ١/ ٨.
كما أخرج نحوه في الاستجمار وترا البخاري، في: باب الاستنثار في الوضوء، وباب الاستجمار وترا، من كتاب الوضوء. صحيح البخاري ١/ ٥٢. والترمذي، في: باب ما جاء في المضمضة والاستنشاق، من كتاب الطهارة. عارضة الأحوذى ١/ ٤٤. والنسائي، في: باب الرخصة في الاستطابة بحجر واحد، وباب الأمر =

<<  <  ج: ص:  >  >>