للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقَامَ بَيِّنَتَه. وقِياسُ اللُّقَطةِ على المَغْصُوبِ غيرُ صَحِيحٍ؛ فإنَّ النِّزَاعَ ثَمَّ في كَوْنِه مَغْصُوبًا، والأصْلُ عَدَمُه، وقولُ المُنْكِرِ يُعَارِضُ دَعْوَاه، فاحْتِيجَ إلى البَيِّنةِ، وههُنا قد ثَبَتَ كونُ هذا المالِ لُقَطةً، وأنَّ له صاحِبًا غيرَ مَنْ هو في يَدِه، ولا مُدَّعِىَ له إلَّا الواصِفُ، وقد تَرَجَّحَ صِدْقُه، فَيَنْبَغِى أن يُدْفَعَ إليه.

فصل: فإن وَصَفَها اثْنانِ، أُقْرِعَ بينهما، فمن وَقَعَتْ له القُرْعَةُ حَلَفَ أنَّها له، وسُلِّمَتْ إليه. وهكذا إن [أقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، أُقْرِعَ بينهما، فمن وَقَعَتْ له القُرْعَةُ حَلَفَ، ودُفِعَتْ إليه. ذَكَرَه القاضي، وقال أبو الخَطَّابِ: تُقَسَّمُ بينهما؛ لأنَّهما] (٧) تَسَاوَيَا فيما يُسْتَحَقُّ به الدَّفْعُ، فتَسَاوَيَا فيها، كما لو كانت في أيْدِيهما. والذي قُلْناهُ أصَحُّ وأشْبَهُ بأُصُولِنا، فيما إذا تَدَاعَيَا عَيْنًا في يَدِ غيرِهِما، ولأنَّهما تَدَاعَيَا عَيْنًا في يَدِ (٨) غيرِهِما، وتَسَاوَيَا في البَيِّنةِ، أو في عَدَمِها، فتكون لمن وَقَعَتْ له القُرْعَةُ، كما لو ادَّعَيَا وَدِيعَةً في يَدِ إنْسانٍ، فقال: هي لأحَدِكُما، لا أعْرِفُه عَيْنًا. وفارَقَ ما إذا كانت في أيْدِيهِما؛ لأنَّ يَدَ كلِّ واحدٍ منهما على نِصْفِه (٩)، فَرَجَحَ قَوْلُه فيه. وإن وَصَفَها إنْسانٌ، فأقامَ آخَرُ البَيِّنةَ أنَّها له، فهى لِصَاحِبِ البَيِّنةِ؛ لأنَّها أقْوَى من الوَصْفِ، فإن كان الواصِفُ قد أخَذَها، انْتُزِعَتْ منه، وَرُدَّتْ إلى صاحِبِ البَيِّنةِ؛ لأنَّنا تَبَيَّنَّا أنَّها له، فإن كانتْ (١٠) قد هَلَكَتْ، فلِصَاحِبِها تَضْمِينُ من شاءَ من الواصِفِ أو الدَّافِع إليه. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشافِعِىُّ. ويَتَخَرَّجُ أن لا يَلْزَمَ المُلْتَقِطَ شيءٌ. وهذا قول ابن القاسِمِ صاحِبِ مالِكٍ، وأبى عُبَيْدٍ؛ لأنَّه فَعَلَ ما أُمِرَ به، وهو (١١) أمِينٌ غير مُفَرِّطٍ ولا مُقَصِّرٍ، فلا يَضْمَنُ كما لو دَفَعَها بأمْرِ الحاكِمِ، ولأنَّ الدَّفْعَ واجِبٌ عليه، فصارَ الدَّفْعُ بغيرِ اخْتِيارِه، فلم يَضْمَنْها، كما لو أخَذَها كَرْهًا. ولَنا، أنَّه دَفَعَ مالَ غيرِه إلى غيرِ مُسْتَحِقِّه اخْتِيارًا منه،


(٧) سقط من: الأصل.
(٨) تكملة لازمة.
(٩) في الأصل: "نصفها".
(١٠) في م: "كان".
(١١) في م: "لأنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>