للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحِدٍ منهما تَطَوُّعٌ، فلا يَتَحَتَّمُ واحِدٌ منهما، لكنَّ الأفْضَلَ المُقَامُ على اعْتِكَافِه؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يَكُنْ يُعَرِّجُ على المَرِيضِ ولم يَكُنْ وَاجِبًا عليه. فأمَّا إن خَرَجَ لمَا لا بُدَّ منه، فسَألَ عن المَرِيضِ فى طَرِيقِه، ولم يُعَرِّجْ، جازَ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَلَ ذلك. الفصل الثانى، إذا اشْتَرَطَ فِعْلَ ذلك فى اعْتِكافِه، فله فِعْلُه، وَاجِبًا كان الاعْتِكافُ أو غيرَ واجِبٍ. وكذلك ما كان قُرْبَةً، كزِيَارَةِ أهْلِه، أو رَجُلٍ صَالِحٍ أو عَالِمٍ، أو شُهُودِ جِنازَةٍ، وكذلك ما كان مُبَاحًا ممَّا يَحْتَاجُ إليه، كالعَشَاءِ فى مَنْزِلِه، والمَبِيتِ فيه، فله فِعْلُه. قال الأَثْرَمُ: سمعتُ أبا عبدِ اللهِ يُسْأَلُ عن المُعْتَكِفِ يَشْتَرِطُ أن يَأَكُلَ فى أهْلِه؟ قال: إذا اشْتَرَطَ فنعم. قِيلَ له: وتُجِيزُ الشَّرْطَ فى الاعْتِكافِ؟ قال: نعم. قلتُ له: فيَبِيتُ فى أهْلِه؟ فقال: إذا كان تَطَوُّعًا، جازَ. وممَّن أجازَ أن يَشْتَرِطَ العَشاءَ فى أَهْلِه الحسنُ، والعلاءُ بن زِيادٍ، والنَّخَعِىُّ، وقَتادَةُ. ومنع منه أبو مِجْلَزٍ، ومالِكٌ، والأوْزَاعِىُّ. قال مالِكٌ: لا يكونُ فى الاعْتِكافِ شَرْطٌ. ولَنا، أنَّه يَجِبُ بِعَقْدِه، فكان الشَّرْطُ إليه فيه كالوُقُوفِ، ولأنَّ الاعْتِكافَ لا يَخْتَصُّ بِقَدْرٍ، فإذا شَرَطَ الخُرُوجَ فكأنَّه نَذَرَ القَدْرَ الذى أقامَه. وإن قال: متى مَرِضْتُ أو عَرَضَ لى عَارِضٌ، خَرَجْتُ. جازَ شَرْطُهُ.

فصل: وإن شَرَطَ الوَطْءَ فى اعْتِكافِه، أو الفُرْجَةَ، أو النُّزْهَةَ، أو البَيْعَ لِلتِّجارَةِ، أو التَّكَسُّبَ بالصِّنَاعَةِ فى المسجدِ، لم يَجُزْ؛ لأنَّ اللهَ تعالى قال: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (٤). [فإذا شَرَط ذلك فاشْتراطُه شَرْطٌ] (٥) لِمَعْصِيَةِ اللهِ تعالى. والصِّنَاعَةُ فى المَسْجِدِ مَنْهِىٌّ عنها فى غيرِ الاعْتِكافِ، ففى الاعْتِكافِ أَوْلَى، وسائِرُ ما ذَكَرْنَاهُ يُشْبِه ذلك، ولا حاجَةَ إليه، فإن احْتَاجَ إليه،


(٤) سورة البقرة ١٨٧.
(٥) فى أ، ب، م: "فاشتراط ذلك اشترط".

<<  <  ج: ص:  >  >>