للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُحْدِثْ، والحَدَثُ إنَّما يُؤَثِّرُ في الطَّهارَةِ الصُّغْرَى، ولا يُؤَثِّرُ في المَقْصُودِ من الغُسْلِ، وهو التَّنْظِيفُ، وإزالَةُ الرَّائِحَةِ، ولأنَّه غُسْلٌ، فلا يُؤَثِّرُ الحَدَثُ في إبْطالِهِ، كَغُسْلِ الجَنابَةِ.

فصل: ويَفْتَقِرُ الغُسْلُ إلى النِّيَّةِ؛ لأنَّه عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ، فافْتَقَرَ إلى النِّيَّةِ، كتَجْدِيدِ الوُضُوءِ، فإن اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ والجَنابَةِ غُسْلًا وَاحِدًا وَنواهُما، أجْزَأهُ، ولا نَعْلَمُ فيه خِلافًا. وَرُوِىَ ذلك عن ابنِ عمرَ، ومُجاهِدٍ، ومَكْحُولٍ، ومالِكٍ، والثَّوْرِىِّ، والأوْزَاعِىِّ، والشَّافِعِىِّ، وأبى ثَوْرٍ. وقد ذَكَرْنَا أنَّ مَعْنَى قولِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من غَسَّلَ واغْتَسَلَ" (١١) أي جَامَعَ، واغْتَسَلَ، ولأنَّهما غُسْلانِ اجْتَمَعَا، فأَشْبَهَا غُسْلَ الحَيْضِ والجَنابَةِ، وإن اغْتَسَلَ لِلْجَنَابَةِ، ولم يَنْوِ غُسْلَ الجُمُعَةِ، ففيه وَجْهَانِ؛ أحَدُهُما لا يُجْزِئُه. وَرُوِىَ عن بعضِ بَنِى أبى قَتادَةَ، أنَّه دَخَلَ عليه يَوْمَ الجُمُعَةِ مُغْتَسِلًا، فقال: لِلْجُمُعَةِ اغْتَسَلْتَ؟ فقال: لا، ولكن لِلْجَنابَةِ. قال: فأعِدْ غُسْلَ الجُمُعَةِ. وَوَجْهُ ذلك قولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" (١٢). والثَّانِى يُجْزِئُه؛ لأنَّه مُغْتَسِلٌ، فيَدخُلُ في عُمُومِ الحَدِيثِ، ولأنَّ المَقْصُودَ التَّنْظِيفُ، وهو حَاصِلٌ بهذا الغُسْلِ، وقد رُوِىَ في بعضِ الحَدِيثِ: "من اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ" (١٣).

فصل: ومَن لا يَأْتِى الجُمُعَةَ فلا غُسْلَ عليه. قال أحمدُ: ليس على النِّساءِ غُسْلُ يَوْمِ الجُمُعَةِ، وعلى قِياسِهِنَّ الصِّبْيانُ والمُسافِرُ والمَرِيضُ. وكان ابنُ عمرَ، وعَلْقَمَةُ، لا يَغْتَسِلانِ في السَّفَرِ، وكان طَلْحَةُ يَغْتَسِلُ. وَرُوِىَ عن مُجَاهِدٍ، وطَاوُسٍ، ولَعَلَّهُم أخَذُوا بِعُمُومِ قَوْلِه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "غُسْلُ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ على كُلِّ


(١١) تقدم تخريجه في صفحة ١٦٦.
(١٢) تقدم تخريجه في ١/ ١٥٦.
(١٣) تقدم تخريجه في صفحة ١٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>