للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا لو كان صدقَةً على الحقيقَةِ، لجازَ دَفْعُها إلى فُقَراءِ من أخِذَت منْهم؛ لقولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أعْلِمْهُم أَنَّ عَلَيْهِم صَدَقَةً، تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهمْ، فتُرَدُّ فِى فُقَرَائِهمْ" (١١).

فصل: فإنْ بذَلَ التَّغْلِبىُّ أداءَ الجِزْيَةِ، وتُخَطُّ عنهُ الصَّدَقَةُ، لم يُقْبَلْ منه؛ لأنّ الصُّلْحَ وقَعَ على هذا، فلا يُغَيَّرُ. ويَحْتَمِلُ أَنْ يُقْبَلَ منه؛ لقولِ اللَّه تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ} (١٢). وهذا قَدْ أعْطى الْجِزْيَةَ، وإِنْ كان باذِلُ (١٣) الْجِزْيَةِ منهم حَرْبِيًّا، قُبِلَت منه؛ للآيَةِ، وخَبَرِ بُرَيْدَةَ: "ادْعُهُم إلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ أجابُوكَ، فاقْبَلْ مِنْهُمْ، وكُفَّ عَنْهُم" (١٤). ولأنَّه لَمْ يدْخُلْ فى صُلْحِ الأوَّلين، فلم يلْزَمْه حُكْمُه، وهو كتابِىٌّ باذِلٌ للجِزْيَةِ، فيُحْقَنُ بها دَمُه. وإِنْ أرادَ إمامٌ (١٥) نَقْضَ صُلْحِهم، وتجديدَ الجِزْيَةِ عليهِم، كفِعْلِ عمرَ بن عبد العزيز، لم يكُنْ له ذلك؛ لأنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ على التَّأْبِيدِ، وقد عَقَدَه معهم عمرُ بن الْخَطَّابِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، فلم يكُنْ لغيرِه نَقْضُه، ما دامُوا على العَهْدِ.

فصل: فأمّا سائِرُ أهلِ الكتابِ من النَّصارَى واليَهُودِ العربِ وغيرِهم، فالجِزْيَةُ منهم مَقْبولَةٌ، ولا يُوخَذُون بما يُؤْخَذُ به نَصارَى بنى تَغْلِبَ. نَصَّ أحمدُ على هذا، ورَواه عن الزُّهْرِىِّ. قال: ونذهَبُ إلى أَنْ يأْخُذَ من مَواشِى بنى تَغْلِبَ خاصَّةً الصَّدَقَةَ، ونُضعِّفُ عليهم، كما فعلَ عمرُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. وذكرَ القاضى وأبو الخطَّابِ، أَنَّ حُكْمَ مَنْ تَنَصَّرَ مَنْ تَنُوخَ وبَهْرَا، أو تَهَوَّدَ مِنْ كِنانَةَ وحِمْيَرَ، أو تَمجَّسَ من تَمِيمٍ، حُكمُ بنى تَغْلِبَ، سَواءٌ. وذُكِر ذلك عن الشافعىِّ. نَصَّ عليه، فى تَنُوخَ وبَهْرَا؛ لأنَّهم من العَرَبِ، فأشْبَهُوا بنى تَغْلِبَ. ولَنا، عمومُ قولِه تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}. وأنَّ النَّبىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَعَثَ مُعاذًا إلى اليَمَنِ، فقال: "خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا" (١٦). وهم عرَبٌ. وقَبِلَ الْجِزْيَةَ من أهلِ نَجْرَانَ، وهم من بنى الحارِث بن


(١١) تقدم تخريجه فى: ١/ ٢٧٥، ٤/ ٥.
(١٢) سورة التوبة ٢٩. ولم يرد فى الأصل، أ: {عَنْ يَدٍ}.
(١٣) فى الأصل، م: "باذلوا".
(١٤) تقدم تخريجه، فى صفحة ٢٠٢.
(١٥) فى ب: "الإمام".
(١٦) تقدم تخريجه، فى: ٤/ ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>