للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من مالِ نسائِهم وصِبْيانِهم ومَجانِييهم وزَمْناهُم (٧) ومَكافِيفِهم وشُيوخِهم، إلَّا أَنَّ أبا حنيفةَ لا يُوجِبُ الزَّكاةَ فى مالِ صَبِىٍّ ولا مَجْنُونٍ، فكذا الواجِبُ على بنى تَغْلِبَ، لا يجبُ فى مالِ صَبِىٍّ ولا مَجْنونٍ، إلَّا فى الأرْضِ خاصَّةً. وذهبَ الشافِعِىُّ إلى أَنَّ هذا جِزْيَةٌ تُؤْخَذُ باسمِ الصَّدَقَةِ، فلا تُوخَذُ ممَّنْ لا جِزْيَةَ عليه، كالنِّساءِ والصِّبْيانِ والْمَجانِينِ. قال: وقد رُوِىَ عن عمرَ أنَّه قال: هؤلاء حَمْقَى، رَضُوا بالمَعْنَى، وأبَوا الاسْمَ. وقال النُّعْمانُ بن زُرْعةَ: خُذْ منهم الجِزْيَةَ باسْم الصَّدَقَةِ. ولأنَّهُم أهلُ ذِمَّةٍ، فكان الواجِبُ عليهم جِزْيَةً لا صَدَقَةً، كغيْرِهم من أهلِ الذِّمَّةِ، ولأنَّه مالٌ يُؤْخَذُ من أهلِ الكتابِ لحَقْنِ دمائِهم ومَساكِنِهم، فكان جِزْيَةً، كما لو أُخِذَ باسمِ الجِزْيَةِ، يُحَقِّقُه أَنَّ الزكاةَ طُهْرَةٌ، وهؤلاء لا طُهْرَةَ لهم. فعلَى هذا، يكونُ مَصْرِفُ المَأْخوذِ منهم، مَصْرِفَ الفَىْءِ، لا مَصْرِفَ الصَّدَقاتِ، وهذا أقْيَسُ. واحتَجَّ أصحابُنا بأنَّهم سأَلوا عمرَ أَنْ يأْخُذَ منهم ما يأْخُذُ بعضُكم (٨) من بعْضٍ. فأجابَهُم عمرُ إليه بَعد الامْتناعِ منه، والذى يأخُذُه بعضُنا من بعضٍ هو الزَّكاةُ، من كلِّ مالٍ زَكَوِىٍّ لأىِّ مسلمٍ كان، من صغيرٍ وكبيرٍ، وصحيحٍ ومريضٍ، كذلك (٩) المأْخُوذُ من بنى تَغلِبَ، ولأنَّ نساءَهم وصِبْيانَهم صِينُوا عن السَّبْىِ بهذا الصُّلْحِ، ودَخَلُوا فى حُكْمِه، فجازَ أَنْ يدْخُلُوا فى الواجِبِ به، كالرِّجالِ العُقَلاءِ. وعلى هذا، مَنْ كان مِنْهم فقيرًا أو له مالٌ غيرُ زَكَوِىٍّ كالدُّورِ، وثيابِ البذْلةِ، وعَبِيدِ الخِدْمَةِ، لا شىءَ عليه، كما لا يجبُ ذلك على أهِل الزَّكاةِ من المسلمين، ولا تُؤْخَذُ ممَّا لم يبْلُغ نِصابًا. فأمَّا مَصْرِفُ المأْخُوذِ منهم، فاختارَ القاضى أَنَّ مَصْرِفَه مَصْرِفُ الفَىْءِ؛ لأنَّه مَأُخوذٌ من مُشْرِكٍ، ولأنَّه جِزْيَة مُسَمَّاةٌ بالصَّدَقَةِ. وقال أبو الخَطَّاب: مَصْرِفُه إلى أهلِ الصَّدقاتِ؛ لأنَّه مُسَمَّى باسْمِ الصَّدَقَةِ، مَسْلوكٌ به فى مَن يُؤْخَذُ منه مَسْلَكَ الصَّدَقَةِ، فيكونُ مَصْرِفُه (١٠) مَصْرِفَها. والأوَّلُ أقْيَسُ وأصحُّ؛ لأنَّ مَعْنَى الشىءِ أخَصُّ به من اسْمِه، ولهذا لو سُمِّى رَجلٌ أسدًا، أو نَمِرًا، أو أسْوَدَ، أو أحْمَرَ، لم يَصِرْ له حكمُ المُسَمَّى بذلك، ولأنَّ


(٧) سقط من: ب.
(٨) فى الأصل: "بعضهم".
(٩) ف ب: "وكذلك".
(١٠) فى م: "مصرفها".

<<  <  ج: ص:  >  >>