للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإذا فَسَدَ الرَّهْنُ، وقَبَضَهُ المُرْتَهِنُ، لم يَكُنْ عليه ضَمَانُه؛ لأنَّه قَبَضَه بحُكْمِ أنَّه رَهْنٌ، وكل عَقْدٍ كان صَحِيحُه غيرَ مَضْمُونٍ، أو مَضْمُونًا، ففَاسِدُه كذلك. فإن كان مُؤَقَّتًا، أو شَرَطَ أنَّه يَصِيرُ لِلْمُرْتَهِنِ بعدَ انْقِضَاءِ مُدَّتِه، صارَ بعدَ ذلك مَضْمُونًا؛ لأنَّه مَقْبُوضٌ بحُكْمِ بَيْعٍ فاسِدٍ، وحُكْمُ الفَاسِدِ من العُقُودِ حُكْمُ الصَّحِيحِ فى الضَّمَانِ. فإن كان أرْضًا فَغَرَسَها قبلَ انْقِضَاءِ الأَجَلِ، فهو كغَرْسِ الغَاصِبِ؛ لأنَّه غَرْسٌ (٢٤) بغيرِ إذْنٍ، وإن غَرَسَ بعدَ الأَجَلِ، وكان قد شَرَطَ أن الرَّهْنَ يَصِيرُ له، فقد غَرَسَ بإِذْنٍ؛ لأنَّ البَيْعَ وإن كان فَاسِدًا، فقد تَضَمَّنَ الإذْنَ فى التَّصَرُّفِ، فيكونُ الرَّاهِنُ مُخَيَّرًا بين ثلاثةِ أشياء؛ بين أن يُقِرَّ غَرْسَه له، وبينَ أخْذِهِ بِقِيمَتِه، وبينَ أن يُجْبِرَه على قَلْعِه، ويَضْمَنَ له ما نَقَصَ.

٧٩٤ - مسألة؛ قال: (وَلَا يَنْتَفِعُ الْمُرْتَهِنُ مِنَ الرَّهْنِ بِشَىْءٍ، إلَّا مَا كَانَ مَرْكُوبًا أَوْ مَحْلُوبًا، فيَرْكَبُ ويَحْلُبُ بِقَدْرِ (١) العَلَفِ)

الكَلامُ فى هذه المَسْأَلَةِ فى حَالَيْنِ (٢)؛ أحَدِهما، ما لا يَحْتَاجُ إلى مُؤْنَةٍ، كالدَّارِ والمَتَاعِ ونحوِه، فلا يجوزُ لِلْمُرْتَهِنِ الانتِفَاعُ به بغيرِ إذْنِ الرَّاهِنِ بحالٍ. لا نَعْلَمُ فى هذا خِلَافًا؛ لأنَّ الرَّهْنَ مِلْكُ الرَّاهِنِ، فكذلك نَمَاؤُه ومَنَافِعُه، فليس لغيره أخْذُها بغير إذْنِه، فإن أذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فى الانْتِفَاعِ بغيرِ عِوَضٍ، وكان دَيْنُ الرَّهْنِ من قَرْضٍ، لم يَجُزْ؛ لأنَّه يُحَصِّلُ قَرْضًا يَجُرُّ مَنْفَعَةً، وذلك حَرَامٌ. قال أحمدُ: أكْرَهُ قَرْضَ الدُّورِ، وهو الرِّبَا المَحْضُ. يعنى: إذا كانت الدَّارُ رَهْنًا فى قَرْضٍ يَنْتَفِعُ بها المُرْتَهِنُ. وإن كان الرَّهْنُ بِثَمَنِ مَبِيعٍ، أو أَجْرِ دَارٍ، أو دَيْنٍ غير القَرْضِ، فأَذِنَ له الرَّاهِنُ فى الانْتِفَاعِ، جَازَ ذلك. رُوِىَ ذلك عن الحسنِ، وابنِ سِيرِينَ، وبه قال إسْحاقُ. فأمَّا إن كان الانْتِفَاعُ بِعِوَضٍ، مثل إن اسْتَأْجَرَ المُرْتَهِنُ الدَّارَ من الرَّاهِنِ بأُجْرَةِ (٣) مِثْلِها، من غير مُحَابَاةٍ، جَازَ فى القَرْضِ


(٢٤) فى ازيادة: "الغاصب".
(١) فى الأصل: "بمقدار".
(٢) فى أ، م: "حالتين".
(٣) فى الأصل، أ: "بأجر".

<<  <  ج: ص:  >  >>