للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: ومتى قُلْنَا: له أن يَسْتَوْفِىَ بمثلِ ما فَعَلَ بوَلِيِّه. فأحَبَّ أن يَقْتَصِرَ (١٥) على ضَرْبِ عُنُقِه، فله ذلك، وهو أفْضَلُ. وإن قَطعَ أطْرافَه التي قَطَعَها الجانِى، أو بعضَها، ثم عَفَا عن قَتْلِه، فكذلك؛ لأنَّه تارِكٌ بَعْضَ حَقِّه. وإن قَطَعَ بعضَ أطْرافِه، ثم عَفَا إلى الدِّيَةِ، لم يكُنْ له ذلك؛ لأنَّ جميعَ ما فَعَلَ بوَلِيِّه لا يَجِبُ به إلَّا دِيَةٌ واحِدَةٌ، فلا يجوزُ أن يَسْتَوْفِىَ بعضَه ويَسْتَحِقَّ كمالَ الدِّيَةِ، فإن فَعَلَ فله ما بَقِىَ من الدِّيَةِ، فإن لم يَبْقَ منها شيءٌ، فلا شىءَ له. وإن قُلْنا: ليس له أن يَسْتَوْفِىَ إلَّا بضَرْبِ العُنُقِ. فاسْتَوْفَى منه بمثلِ ما فَعَلَ، فقد أساءَ، ولا شىءَ عليه سِوَى المَأْثَمِ؛ لأنَّ فِعْلَ الجانِى في الأطْرافِ لم يُوجِبْ عليه شيئًا يَخْتَصُّ بها، فكذلك فِعْلُ المُسْتَوْفِى، إن قَطعَ (١٦) طَرَفًا واحدًا، ثم عَفَا إلى الدِّيَةِ، لم يكُنْ له إلَّا تَمامُها، وإن قَطعَ ما تَجِبُ به الدِّيَةُ، ثم عَفَا، لم يكُنْ له شيءٌ، وإن قَطعَ ما يَجِبُ به أكثرُ من الدِّيَةِ، ثم عَفَا، احْتَمَلَ أن يَلْزَمَه ما زادَ على الدِّيَةِ؛ لأنَّه لا يَسْتَحِقُّ أكثرَ من دِيَةٍ، وقد فَعَلَ ما يُوجِبُ اكثرَ منها، فكانت الزِّيادةُ عليه. واحْتَمَلَ أن لا يَلْزَمَه شيءٌ؛ لأنَّه لو قَتَلَه لم يَلْزَمْه شيءٌ، فإذا تَرَكَ قَتْلَه، وعفا عنه، فأَوْلَى أن لا يَلْزَمَه شيءٌ، ولأنَّه فَعَلَ بعضَ ما فَعَلَ بوَلِيِّه، فلم يَلْزَمْه شيءٌ، كما لو قُلْنا: إنَّ له أن يَسْتَوْفِىَ مثلَ ما فَعَلَ به.

فصل: فإن قَطعَ يَدَيْه ورِجْلَيْه، أو جَرَحَه جُرْحًا يُوجِبُ القِصاصَ إذا انْفَرَدَ، فسَرَى إلى النَّفْسِ، فله القِصاصُ في النَّفْسِ. وهل له أن يَسْتَوْفِىَ (١٧) القَطْعَ قبلَ القَتْلِ؟ على رِوَايتَيْنِ، ذكَرَهما القاضي، وبَناهُما على الرِّوايتَيْنِ المذكورتَيْنِ في المسألةِ؛ وإحداهما (١٨)، ليس له قَطْعُ الطَّرفِ. وهو مذهبُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّ ذلك يُفْضِى إلى الزِّيادةِ على ما جَنَاه الأوَّلُ، والقِصاصُ يَعْتَمِدُ المُماثلةَ، فمتى خِيفَ فيه الزِّيادةُ سَقَطَ،


(١٥) في ب: "يقتص".
(١٦) في ب، م زيادة: "الجانى".
(١٧) في الأصل زيادة: "في".
(١٨) في م: "إحداهما".

<<  <  ج: ص:  >  >>