للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حنيفةَ، وأبى ثَوْرٍ؛ لقَوْلِ اللَّه تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (٥). وقولِه سبحانه: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (٦). ولأنَّ النَّبِىَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَضَخَ (٧) رأسَ يَهُودِىٍّ لِرَضْخِه (٨) رأسَ جارِيةٍ من الأنصارِ بين حَجَرَيْنِ (٩). ولأنَّ اللَّه تعالى قال: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} (١٠). وهذا قد قَلَعَ عَيْنَه، فيَجِبُ أن تُقْلَعَ عَيْنُه، للآية. ورُوِىَ عن النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه قال: "مَنْ حَرَّقَ حَرَّقْنَاهُ، وَمَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ" (١١). ولأنَّ القِصاصَ مَوْضُوعٌ على المُماثلةِ، ولَفْظُه مُشْعِرٌ به، فوَجَبَ (١٢) أن يُسْتَوْفَى منه مثلُ ما فَعَلَ، كما لو ضَرَبَ العُنُقَ آخَرُ غيرُه. فأمَّا حديث: "لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ". فقال أحمدُ: ليس إسْنادُه بجَيِّدٍ. الحال الثاني، أن يَصِيرَ الأمْرُ إلى الدِّيَةِ، إمَّا بعَفْوِ (١٣) الوَلِىِّ، أو كَوْنِ الفِعْلِ خَطأً، أو شِبْهَ عَمْدٍ، أو غيرَ ذلك، فالواجبُ دِيَةٌ واحدةٌ. وهذا ظاهرُ مذهبِ الشافعىِّ. وقال بعضُهم: تَجِبُ دِيَةُ الأطْرافِ المَقْطُوعةِ ودِيةُ النَّفْسِ؛ لأنَّه لمَّا قُطِعَ سِرَايَةُ (١٤) الجُرْحِ بقَتْلِه صار كالمُسْتَقِرِّ، فأشْبَهَ ما لو قَتَلَه غيرُه، ولهذا لم يَسْقُط القِصاصُ فيه. ولَنا، أنَّه قاتِلٌ قبلَ اسْتِقْرارِ الجُرْحِ، قَدَخَلَ أَرْشُ الجِراحةِ في أَرْشِ النَّفْسِ، كما لو سَرَتْ إلى نَفْسِه، والقِصاصُ في الأطْرافِ على إحْدَى الرِّوايتَيْنِ لا يَجِبُ، وإن وَجَبَ فإنَّ القِصاصَ لا يُشْبِهُ الدِّيَةَ؛ لأنَّ سِرَايةَ الجُرْحِ لا تُسْقِطُ القِصاصَ فيه، وتُسْقِطُ دِيَتَه.


(٥) سورة النحل ١٢٦.
(٦) سورة البقرة ١٩٤.
(٧) في م: "رض".
(٨) في م: "لرضه".
(٩) تقدم تخريجه، في صفحة ٤٤٨.
(١٠) سورة المائدة ٤٥.
(١١) أخرجه البيهقي، في: باب عمد القتل بالحجر، من كتاب الجنايات. السنن الكبرى ٨/ ٤٣.
(١٢) في ب: "فيجب".
(١٣) في ب: "بفعل".
(١٤) في م: "بسراية".

<<  <  ج: ص:  >  >>