للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٣٤ - مسألة؛ قال: (ويُصَلِّى عَلَى الْجِنَازَةِ)

أمَّا الصَّلاةُ على الجِنَازَةِ بعدَ الصُّبْحِ حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وبعد العَصْرِ حتى تَمِيلَ لِلْغُرُوبِ، فلا خِلَافَ فيه، قال ابْنُ المُنْذِرِ: إجْمَاعُ المُسْلِمِينَ في الصَّلاةِ على الجِنَازَةِ بعد العَصْرِ والصُّبْحِ، وأما الصَّلَاةُ عليها في الأوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ التي في حَدِيثِ عُقْبَةَ بن عامِرٍ فلا يَجُوزُ. ذَكَرَها القاضي، وغيرُه. قال الأثْرَمُ: سَألْتُ أبا عَبدِ اللهِ عن الصَّلَاةِ على الجِنَازَةِ إذا طَلَعَتِ الشَّمْسُ؟ قال: أمَّا حين تَطْلُعُ فما يُعْجِبُنى. ثم ذَكَرَ حَدِيثَ عُقْبَةَ بن عامِرٍ. وقد رُوِىَ عن جَابِرٍ، وابْنِ عُمرَ نَحْوُ هذا الْقَولِ، وذَكَرَهُ مالِكٌ في "الْمُوَطَّإِ" عن ابن عُمرَ. وقال الخَطَّابِىُّ: هذا قَوْلُ أكْثَرِ أهلِ العِلْمِ. وقال أبو الخَطَّابِ، عن أحمدَ، رِوَايَة أُخْرى: إن الصَّلاةَ على الجِنَازَةِ تَجُوزُ في جَمِيعِ أوْقَاتِ النَّهْى. وهذا مَذْهَبُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّها صَلَاةٌ تُبَاحُ بعد الصُّبْحِ والعَصْرِ، فأُبِيحَتْ في سَائِرِ الأوْقَاتِ، كالفَرَائِضِ. ولَنا، قَوْلُ عُقْبَةَ بن عامِرٍ: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كان رَسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَنْهَانَا أن نُصَلِّىَ فِيهِنَّ، وأن نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا. وذِكْرُهُ للصَّلاةِ (١) مَقْرُونًا بالدَّفْنِ دَلِيلٌ على إرَادَةِ صَلاةِ الجِنَازَةِ. ولأنَّها صَلَاةٌ من غير الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، فلم يَجُزْ فِعْلُها في هذه الأوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ, كالنَّوَافِلِ المُطْلَقَةِ، وإنما أُبِيحَتْ بعدَ (٢) الصُّبْحِ والعَصْرِ لأنَّ مُدَّتَهما تَطُولُ، فالانْتِظَارُ يُخَافُ منه عليها، وهذه مُدَّتُها تَقْصُرُ، وأمَّا الفَرَائِضُ فلا يُقَاسُ عليها؛ لأنَّها آكَدُ، ولا يَصِحُّ قِيَاسُ هذه الأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ على الوَقْتَيْنِ الآخَرَيْنِ، لأنَّ النَّهْىَ فيها آكَدُ، وزَمَنُها أَقْصَرُ، فلا يُخَافُ على المَيِّتِ فيها، ولأنَّه نُهِىَ عن الدَّفْنِ فيها، والصَّلَاةُ المَقْرُونَةُ بالدَّفْنِ تَتَنَاوَلُ صَلَاةَ الجِنَازَةِ، وتَمْنَعُها القَرِينَةُ من الخُرُوجِ بالتَّخْصِيصِ، بِخِلَافِ الوَقْتَيْنِ الآخَرَيْنِ. واللهُ أعلمُ.


(١) سقط من: م.
(٢) في م: زيادة: "صلاة".

<<  <  ج: ص:  >  >>