للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتأْجرَه كلُّ واحدٍ منهما بأجْرٍ مَعْلومٍ، ليَقْسِمَ نَصِيبَه، جازَ، وإن اسْتأجَرُوه جميعًا إجارةً واحدةً ليَقْسِمَ بينهم الدارَ بأجْرٍ واحدٍ معلومٍ، لَزِمَ كلَّ واحدٍ منهم مِن الأجْرِ بقَدْرِ نَصِيبِه مِن المَقْسومِ. وبهذا قالَ الشَّافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: يكونُ عليهم على عَدَدِ رُءوسِهم؛ لأنَّ عملَه فى نَصِيبِ أحدِهما كعَملِه فى نَصيبِ الآخَرِ، سواءٌ تَساوتْ سِهامُهم أو اخْتلَفتْ، فإنَّ (١٧) الأجرَ بينهم سواءٌ. ولنا، أنَّ أجرَ القِسْمةِ يتعلَّقُ بالمِلكِ، فكان بينهم على قَدْرِ الأمْلاكِ، كنَفَقةِ العَبْدِ، وما ذكَرهُ (١٨) لا يَصِحُّ لأنَّ العملَ فى أكْبَرِ النَّصيبيْنِ أكثرُ، ألا تَرَى أنَّ المَقْسُومَ لو كان مَكِيلًا أو مَوزونًا، كان كَيلُ الكَثيرِ أكْثرَ عملًا مِن كَيلِ القَليلِ، وكذلك الوزنُ والزَّرعُ، وعلى أنَّه يَبْطُلُ بالحافِظِ، فإنَّ حِفْظَ القليلِ والكثيرِ سَواءٌ، ويَخْتلِفُ أجْرُه باختلافِ المالِ.

فصل: وأُجْرةُ القِسْمةِ بينَهما وإن كان أحدُهما الطَّالبَ لها. وبهذا قال أبو يوسفَ، ومحمدٌ، والشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: هى على الطَّالبِ للقِسْمةِ؛ لأنَّها حَقٌّ له. ولنا، أنَّ الأُجْرةَ تَجِبُ بإفْرازِ الأنْصِباءِ، وهم فيها سَواءٌ، فكانتِ الأُجْرةُ عليهما، كما لو تَراضَوا عليها.

فصل: وإذا ادَّعَى أحدُ المُتقاسِمَيْن غَلطًا فى القِسمةِ، وأنَّه أُعْطِىَ دونَ حَقِّه؛ نَظَرْتَ، فإن كانتْ قِسْمتُه تَلْزَمُ بالقُرْعةِ، ولا تَقِفُ على تَراضِيهما، فالقولُ قولُ المُدَّعَى عليه مع يَمِينِه، ولا تُقْبَلُ دَعْوَى المُدَّعِى إلَّا بِبَيِّنَةٍ عادلةٍ، فإن أقامَ شاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ، نُقضَتِ القِسْمةُ وأُعِيدتْ، وإن لم تكُنْ بَيِّنَةٌ، وطلبَ يَمِينَ شَريكِه أنَّه لا فَضْلَ معه، أُحْلِفَ له. وإنَّما قدَّمْنا قولَ المُدَّعَى عليه؛ لأنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ القِسْمةِ، وأداءُ الأمانةِ فيها. وإن كانت ممَّا لا تَلْزَمُ إلَّا بالتَّراضِى، كالذى قَسماه بأنْفُسِهما ونَحْوِها (١٩)، لم تُسْمَعْ دَعْوَى مَنِ ادَّعَى الغَلَطَ. هكذا قالَ أصحابُنا. وهو مذهبُ الشَّافعىِّ؛ لأنَّه قد رَضِىَ بذلك، ورِضاهُ بالزِّيادةِ فى نَصِيبِ شريكِه يَلْزَمُه والصَّحِيحُ عندى أنَّ هذه كالتى قبلَها، وأنَّه متى أقامَ البَيِّنَةَ بالغَلَطِ، نُقِضَتِ القِسْمةُ؛ لأنَّ ما ادَّعاهُ مُحْتَمِلٌ، ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ عادلةٍ،


(١٧) فى ب، م: "فكان".
(١٨) فى م: "ذكروه".
(١٩) فى ب، م: "ونحوه".

<<  <  ج: ص:  >  >>