للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تبَرَّعُ بها. أو: أنا أُؤَدِّيها. قُبِلَت منها، ولم تكُنْ جِزْيةً، بل هِبَة تَلْزَمُ بالقَبْضِ. فإنْ شَرَطَتْه على نَفْسِها، ثم رَجَعَتْ، كان لها ذلك. وإِنْ بَذَلَت الجزْيَةَ؛ لتَصِيرَ (٤) إلى دارِ الإِسْلامِ، مُكِّنَتْ من ذلك بغيرِ شىءٍ، ولكن يُشْتَرَطُ عليها التزامُ أَحْكامِ الإِسلامِ، وتُعْقَدُ لها الذِّمَّةُ، ولا يُؤْخَذُ منها شىءٌ، إلَّا أَنْ تَتَبَرَّعَ به بعدَ مَعْرِفَتِها أنَّه لا شىءَ عليها. وإِنْ أُخِذَ منها شىءٌ على غيرِ ذلك، رُدَّ إليها؛ لأنَّها بَذَلَتْه مُعْتَقِدَةً أنَّه عليها، وأنَّ دَمَها لا يُحْقَنُ إلَّا بِه، فأشْبَهَ مَن أدَّى مالًا إلى مَنْ يعْتَقِدُ أنَّه له، فَتَبَيَّن أنَّه ليس له. ولو حاصَرَ المسلمون حِصْنًا ليس فيه إلَّا نِساءٌ، فبَذَلْنَ الجِزْيَةَ؛ لتُعْقَدَ لهُنَّ الذِّمَّةُ، عُقِدَت لَهُنَّ بغير شىءٍ، وحَرُمَ اسْتِرْقاقُهنَّ، كالتى قبلَها سَواءً. فإنْ كان فى الحِصْنِ معهنَّ رجالٌ، فسألُوا (٥) الصُّلْحَ، لتكونَ الجِزْيَةُ على النِّساءِ والصِّبْيان دونَ الرِّجالِ، لم تَصِحَّ؛ لأنَّهم جَعَلُوها على غير مَنْ هى عليه، وبَرَّأُوا مَنْ تَجِب عليه. وإِنْ بَذَلُوا جِزْيَةً عن الرِّجالِ، ويؤدُّوا (٦) عن النِّساءِ والصِّبيان من أمْوالِهم، جازَ، وكان ذلك زيادَةً فى جِزْيَتِهم. وإِنْ كان من أموالِ النِّساءِ والصِّبْيانِ، لم يَجُزْ؛ لأنَّهم يَجْعلُونَ الجِزْيَةَ على مَنْ لا تَلْزَمُه. فإنْ كان القَدْرُ الذى بذَلُوه من أموالِهم ممَّا يُجْزِئُ فى الجزْيَةِ، أُخِذَ منهم، وسَقَطَ الباقِى.

فصل: ومَنْ بَلَغ من أولادِ أهلِ الذِّمَّةِ، أو أفاقَ من مَجانِينِهم، فهو من أَهْلِها بالعَقْدِ الأوَّلِ، لا يحْتاجُ إلى اسْتئنافِ عَقْدٍ له. وقال القاضى، فى موضِعٍ: هو مُخَيَّرٌ بيْنَ الْتِزامِ العَقْدِ وبَيْنَ أَنْ (٧) يُرَدّ إلى مَأْمَنِه، فإنْ اختارَ الذِّمَّةَ، عُقِدَت له، وإلَّا أَلْحِقَ بمَأْمَنِه. وهو قولُ الشافِعِىّ. ولَنا، أنَّه لم يأْتِ عن النَّبِىّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا عن أحدٍ من خُلَفائِه، تَجْديدُ العَقْدِ لهؤلاء، ولأنَّ العقدَ يكونُ مع سادَتِهم، فيَدْخُل فيه سائِرُهم، ولأنَّه عَقْدُ عَهْدٍ مع الكُفَّارِ، فلم يَحْتَجْ إلى اسْتِئنافِه لذلك، كالهُدْنَةِ، ولأنَّ الصِّغارَ والمجانِينَ دخَلُوا فى العَقْدِ، فلم يحْتَجْ إلى تجْدِيده لهم عندَ تَغَيُّرِ أحوالِهم، كغيرِهم، ولأنَّه عَقْدٌ دَخَلُوا (٨) فيه، فَيَلْزَمُهم بعدَ البُلوغِ والإِفاقَةِ، كالإِسلامِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنْ كان البلوغُ والإِفاقةُ فى


(٤) ف ب، م: "فتصير".
(٥) فى الأصل: "فسألوه".
(٦) أى. وأن يؤدوا.
(٧) فى م: "أو".
(٨) فى م: "خلوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>