للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: إذا طَلَعَ الفَجْرُ وهو مُجَامِعٌ، فاسْتَدامَ الجِماعَ، فعليه القَضاءُ والكَفَّارَةُ. وبه قال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: يَجِبُ القَضَاءُ دُونَ الكَفَّارَةِ؛ لأنَّ وَطْأَهُ لم يُصَادِفْ صَوْمًا صَحِيحًا، فلم يُوجِب الكَفَّارَةَ، كما لو تَرَكَ النِّيَّةَ وجامَعَ. ولَنا، أنَّه تَرَكَ صَوْمَ رمضانَ بِجِماعٍ أثِمَ به لِحُرْمَةِ الصَّوْمِ، فوَجَبَتْ به الكَفَّارَةُ، كما لو وَطِئَ بعد طُلُوعِ الفَجْرِ؛ وعَكْسُه إذا لم يَنْوِ، فإنَّه يَتْرُكُه لِتَرْكِ النِّيَّةِ لا لِلْجِماعِ (١٨)، ولنا فيه مَنْعٌ أيضا. وأمَّا إن نَزَعَ فى الحالِ مع أَوَّلِ طُلُوعِ الفَجْرِ، فقال ابنُ حامِدٍ، والقاضى: عليه الكَفَّارَةُ أيضا؛ لأنَّ النَّزْعَ جِماعٌ يَلْتَذُّ به، فتَعَلَّقَ به ما يَتَعَلَّقُ بالاسْتِدامَةِ، كالإِيلاجِ. وقال أبو حَفْصٍ: لا قَضاءَ عليه ولا كَفَّارَةَ. وهو قولُ أبى حنيفةَ، والشَّافِعِىِّ؛ لأنَّه تَرْكٌ لِلْجِماعِ، فلا يَتَعَلَّقُ به ما يَتَعَلَّقُ بِالجِماعِ، كما لو حَلَفَ لا يَدْخُلُ دَارًا وهو فيها، فخَرَجَ منها، كذلك هاهُنا. وقال مالكٌ: يَبْطُلُ صَوْمُه، ولا كَفَّارَةَ عليه؛ لأنَّه لا يَقْدِرُ على أكْثَرَ ممَّا فَعَلَهُ فى تَرْكِ الجِماعِ، فأشْبَهَ المُكْرَهَ. وهذه المَسْأَلَةُ تَقْرُبُ من الاسْتِحالَةِ، إذْ لا يَكَادُ يَعْلَمُ أَوَّلَ طُلُوعِ الفَجْرِ على وَجْهٍ يَتَعَقَّبُهُ النَّزْعُ، من غيرِ أن يكونَ قَبْلَه شىءٌ من الجِماعِ، فلا حَاجَةَ إلى فَرْضِها، والكَلَامِ فيها.

فصل: ومَن جَامَعَ يَظُنُّ أن الفَجْرَ لم يَطْلُعْ، فتَبَيَّنَ أنَّه كان قد طَلَعَ، فعليه القَضاءُ والكَفَّارَةُ، وقال أصْحابُ الشَّافِعِىِّ: لا كَفَّارَةَ عليه. ولو عَلِمَ فى أثْناءِ الوَطْءِ فَاسْتَدَامَ، فلا كَفَّارَةَ عليه أيضا؛ لأنَّه إذا لم يَعْلَمْ لم يَأْثَمْ، فلا يَجِبُ به كَفَّارَةٌ، كَوَطْءِ النَّاسِى، وإن عَلِمَ فَاسْتَدَامَ فقد حَصَلَ الوَطْءُ الذى يَأْثَمُ به فى غيرِ صَوْمٍ. وَلنا، حَدِيثُ المُجَامِعِ، إذْ أمَرَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالتَّكْفِيرِ، من غيرِ تَفْرِيقٍ ولا تَفْصِيلٍ (١٩). ولأنَّه أفْسَدَ صَوْمَ رمضانَ بِجِمَاعِ تَامٍّ، فوَجَبَتْ عليه الكَفَّارَةُ، كما لو


(١٨) فى ب، م: "الجماع".
(١٩) تقدم تخريجه فى صفحة ٣٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>