للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يَسْقُطُ عنه بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ، وههُنا يسْقُطُ بِرُجوعِه، ولأنَّ القِصَاصَ إنما يَسْقُطُ بسببٍ من جِهَة المُسْتَحِقِّ له، فَنَظِيرُ مَسْأَلَتِنا أن يُجَنَّ المُسْتَحِقُّ للقِصَاصِ، فإنَّه لا يَسْتَوْفِى في (٧) حالِ جُنُونِه.

فصل: ومن أصابَ حَدًّا ثم ارْتَدَّ ثم أسلم، أُقِيمَ عليه حَدُّه. وبهذا قال الشافِعِىُّ، سواءٌ لَحِقَ بدارِ الحَربِ في رِدَّتِه، أو لم يَلْحَقْ بها. وقال قتادَةُ، في مُسْلِمٍ أحْدثَ حَدَثًا، ثم لَحِقَ بالرُّومِ، ثم قُدِرَ عليه: إن كان ارْتَدَّ دُرِئَ عنه الحَدُّ، وإن لم يكُنِ ارْتَدَّ، أُقِيمَ عليه. ونحوَ هذا قال أبو حنيفةَ، والثَّوْرِىُّ، إلَّا حُقُوقَ النَّاسِ؛ لأنَّ رِدَّتَه أَحْبَطَتْ عَمَلَه، فأسْقَطَتْ ما عليه من حُقُوقِ اللَّه تعالى، كمن فعلَ ذلك في حالِ شِرْكِه، ولأنَّ "الإِسلام يَجُبُّ ما قَبْلَه" (٨). ولَنا، أنَّه حَقٌّ عليه، فلم يَسْقُطْ بِرِدَّتِه، كحقُوقِ الآدَمِيِّين. وفارقَ ما فعلَه في شِرْكِه، فإنَّه لم يَثْبُتْ حُكْمُه في حَقِّه. وأمَّا قولُه: "الإِسْلَام يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ". فالمُرادُ به ما فعلَه في كُفْرِه؛ لأنَّه لو أرادَ ما قبلَ رِدَّتِه، أفْضَى إلى كَوْنِ الرِّدَّةِ، التي هي أعظمُ الذُّنُوبِ، مُكَفِّرَةً للذُّنُوبِ، وأنَّ من كَثُرَتْ ذُنُوبُه، وَلزِمَتْه حُدُودٌ، يَكْفُرُ (٩) ثم يُسْلِمُ، فَتُكَفَّرُ ذُنُوبُه, وتَسْقُطُ حُدُودُه.

فصل: فأمَّا ما فعلَه في رِدَّتِهِ، فقد نَقَلَ مُهَنَّا عن أحمدَ، قال: سألتُه عن رجلٍ ارتدَّ عن الإِسلام فقَطَعَ الطَّرِيقَ، وقَتَلَ النَّفْسَ، ثم لَحِقَ بدارِ الحَرْبِ، فأخَذَه المسلمونَ. فقال: تُقامُ فيه الحدُودُ، ويُقْتَصُّ منه. وسألتُه عن رجلٍ ارتدَّ فلَحِقَ بدارِ الحربِ، فقَتَلَ بها مُسْلمًا، ثم رَجَعَ تائِبًا، وقد أَسْلَمَ، فَأَخَذَه وليُّه، يكونُ عليه القِصاصُ؟ فقال: قد زالَ عنه الحُكْمُ؛ لأنَّه إنما قَتَلَ وهو مُشْرِكٌ، وكذلك إن سَرَقَ وهو مُشْرِكٌ. ثم تَوَقَّفَ بعدَ ذلك. وقال: لا أقولُ في هذا شيئًا. وقال القاضي: ما أصابَ في رِدَّتِه مِن نفسٍ أو مالٍ أو جُرْحٍ، فعليه ضَمانُه، سواءٌ كانَ في مَنَعَةٍ وجماعةٍ، أو لم يكُنْ؛ لأنَّه الْتَزَمَ حُكْمَ الإِسلامِ


(٧) سقط من: ب، م.
(٨) أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند ٤/ ١٩٩، ٢٠٤, ٢٠٥.
(٩) في الأصل: "وكفر".

<<  <  ج: ص:  >  >>