للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وظاهِرُ مَذْهَبِ أَحمد أنَّ الكَثِيرَ الذي يَنْقُضُ الوُضُوءَ لا حَدَّ له أكثرُ مِن أنه يكونَ فاحِشًا. وقيل: يا أبا عبدِ اللَّه، ما قَدْرُ الفاحِشِ؟ قال: ما فَحُشَ في قَلْبِك. [وقيل له: مثلُ أي شيءٍ يكونُ الفاحِشُ؟ [قال] (١١) قال ابن عبَّاسٍ: ما فَحُشَ في قَلْبِكَ] (١٢). وقد نُقِلَ عنه أنه سُئِلَ: كم الكَثِير؟ فقال: شِبْرٌ في شِبْرٍ. وفي موضعٍ قال: قَدْرُ الكَفِّ فاحِشٌ. وفي موضعٍ قال: الذي يُوجِبُ الوُضُوءَ من ذلك إذا كان مِقْدارَ ما يَرْفَعُه الإِنسانُ بأصَابِعه الخَمْسِ من القَيْحِ والصَّدِيدِ والقَىْء، فلا بَأْسَ به. فَقِيلَ له: إن كان مِقْدَارَ عشرةِ أصَابِع؟ فرآهُ كَثِيرًا. قال الخَلَّالُ: والذي اسْتَقَرَّ عليه (١٣) قَوْلُه في الفاحِشِ، أنَّه علَى قَدْرِ ما يَسْتَفْحِشُه كُلُّ إنسانٍ في نَفْسِه. قال ابنُ عَقِيلٍ: إنما يُعْتَبَرُ ما يَفْحُشُ في نُفُوسِ أوْسَاطِ الناسِ، لا المُتَبَذِّلِين، ولا المُوَسْوِسِين، كما رجَعْنا في يَسِيرِ اللُّقَطَةِ الذي لا يَجِبُ تعْريفُه إلى ما لا تَتْبعُه نُفُوسُ أوْساطِ الناس. ونَصُّ أحمدَ في هذا كما حَكَيْناه، وذهَبَ إلى قولِ ابنِ عَبّاس، رَضِىَ اللهُ عنه.

فصل: والقَيْحُ والصَّدِيدُ كالدَّمِ فيما ذَكَرْناه، وأَسْهَلُ وأَخَفُّ منه حُكْمًا عند أبى عبدِ اللَّه؛ لوُقُوعِ الاخْتِلافِ فيه، فإنَّه رُوِىَ عن ابنِ عُمَر، والحَسَن، أنهم لم يَرَوا القَيْحَ والصَّدِيدَ كالدَّمِ. وقال أبو مِجْلَزٍ في الصَّدِيد: لا شىءَ، إنما ذَكَر اللهُ الدَّمَ المَسْفُوحَ. وقال الأَوْزَاعِىُّ في قُرْحَةٍ سالَ منها كَغُسَالةِ اللَّحْمِ: لا وُضُوءَ فيه. وقال إسحاق: كل ما سِوَى الدَّمِ لا يُوجِبُ وُضُوءًا. وقال مجاهد، وعَطَاء، وعُرْوَة، والشَّعْبِىُّ، والزُّهْرِىُّ، وقَتَادةُ، والحَكَمُ، واللَّيْثُ: القَيْحُ بمَنْزِلَةِ الدَّمِ. فلذلك خَفَّ حُكْمُه عنده (١٤)، واختيارهُ مع ذلك إلْحَاقُه بالدَّمِ، وإثْباتُ مِثْل حُكْمِه فيه، ولكن الذي يَفْحُشُ منه يكون (١٥) أَكْثرَ مِن الذي يَفحُشُ من الدَّمِ.


(١١) تكملة يتم بها السياق.
(١٢) سقط من الأصل، وتقدم بعضه، ويعضده ما يأتى في آخر الفصل.
(١٣) سقط من الأصل.
(١٤) أي عند أبى عبد اللَّه.
(١٥) سقط من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>