للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتَقَدَّمَ حُذَيْفَةُ فأخَذَ بِيَدِه فاتَّبَعَهُ عَمَّارٌ حتى أَنْزَلَهُ حُذَيْفَةُ، فلما فَرَغَ من صَلاتِه، قال له حُذَيْفَةُ: ألم تَسْمَعْ رسُولَ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "إذَا أَمَّ الرَّجُلُ القَوْمَ، فَلا يَقُومَنَّ في مَكَانٍ أرْفَعَ مِنْ مَقَامِهِمْ"؟ قال عَمَّارٌ: فلذلك اتَّبَعْتُكَ حين أخَذْتَ على يَدَيَّ. وعن هَمَّامٍ (٢)، أن حُذَيْفَةَ أَمَّ النّاسَ بالمَدَائِن على دُكَّانٍ، فأَخَذَ أبو مَسْعُودٍ بِقَمِيصِه، فجَبَذَهُ (٣)، فلما فَرَغَ من صَلَاتِه، قال: ألَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُم كانوا يَنْهَوْنَ عن ذلك؟ قال: بَلَى، [قد ذكرْتُ] (٤) حينَ مَدَدْتَنِى (٥). رَوَاهُما أبو دَاوُدَ (٦). وعن ابنِ مسعودٍ، أن رَجُلًا تَقَدَّمَ [يَؤُمُّ بِقَوْمٍ] (٧) على مَكَانٍ، فقامَ على دُكَّانٍ، فنَهَاهُ ابنُ مَسْعودٍ، وقال لِلْإِمامِ: اسْتَوِ مع أصْحابِكَ. ولأنَّه يَحْتَاجُ (٨) أن يَقْتَدِىَ بإمامِه، فَيَنْظُرَ رُكُوعَه وسُجُودَه، فإذا كان أعْلَى منه احْتَاجَ أنْ يَرْفَعَ بَصَرَهُ إليه لِيُشاهِدَه، وذلك مَنْهِيٌّ عنه في الصلاةِ. فأما حَدِيثُ سَهْلٍ، فالظَّاهِرُ أنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان على الدَّرَجَةِ السُّفْلَى، لِئَلَّا يَحْتَاج إلى عَمَلٍ كَثِيرٍ (٩) في الصُّعُودِ والنُّزُولِ، فَيكون ارْتِفَاعًا يَسِيرًا، فلا بَأْسَ به، جَمْعًا بين الأخْبَارِ، ويَحْتَمِلُ أنْ يَخْتَصَّ ذلك بالنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنَّه فَعَلَ شيئا ونَهَى عنه، فيكونُ فِعْلُه له ونَهْيُه لِغَيْرِه، ولذلك لا يُسْتَحَبُّ مثلُه لِغيْرِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. ولأنَّ النَّبِيَّ لم يُتِمَّ الصَّلاةَ على المِنْبَرِ، فإنَّ سُجُودَهُ وجُلُوسَه إنَّما كان على الأرْض، بِخِلافِ ما اخْتَلَفْنَا فيه.

فصل: ولا بَأْسَ بِالْعُلُوِّ اليَسِيرِ؛ لِحَدِيثِ سَهْلٍ، ولأنَّ النَّهْىَ مُعَلَّلٌ بما يُفْضِى إليه


(٢) في الأصل: "هشام" خطأ.
(٣) جبذه وجذبه بمعنى.
(٤) في أ، م: "فذكرت".
(٥) أي مددت قميصى وجذبته إليك.
(٦) في: باب الإمام يقوم مكانا أرفع من مكان القوم، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود ١/ ١٤١.
(٧) في الأصل: "يقوم".
(٨) في ازيادة: "إلى".
(٩) في أ، م: "كبير".

<<  <  ج: ص:  >  >>