للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحمدُ: لا بَأْسَ أن يَكْتَرِىَ بطَعَامٍ مَوْصُوفٍ مَعْلُومٍ. وبهذا كلِّه قال الشافِعِىُّ، قال اللهُ تعالى إخْبارًا عن شُعَيْبٍ، أنَّه قال: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} فجَعَل النِّكَاحَ عِوَضَ الإِجَارَةِ. وقال أبو حنيفةَ؛ فيما حُكِىَ عنه: لا تجوزُ إجَارَةُ دارٍ بسُكْنَى أُخْرَى، ولا يَجُوزُ إلَّا (٢٩) أن يَخْتَلِفَ جِنْسُ المَنْفَعةِ، كسُكْنَى دارٍ بمَنْفَعةِ بَهِيمةٍ؛ لأنَّ الجِنْسَ الواحدَ عنده يُحَرِّمُ النَّسَاءَ. وكَرِهَ الثَّوْرِىُّ الإِجَارةَ بِطَعَامٍ مَوْصوفٍ. والصَّحِيحُ جَوَازُه، وهو قول إسحاقَ، وأصْحابِ الرَّأْى، وقِيَاسُ قولِ الشافِعِىِّ؛ لأنَّه عِوَضٌ يجوزُ في البَيْعِ، فجازَ في الإِجَارَةِ، كالذَّهَبِ والفِضَّةِ. وما قاله أبو حنيفَةَ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ المنافِعَ في الإِجَارَةِ ليست في تَقْدِير النَّسِيئَةِ، ولو كانت نَسِيئَةً ما جازَ في جِنْسَيْنِ؛ لأنَّه يكونُ بَيْعَ دَيْنٍ بَدَيْنٍ.

فصل: ولو اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَسْلُخَ له بَهِيمَةً بجِلْدِها، لم يَجُزْ؛ لأنَّه لا يعْلَمُ هل يَخْرُجُ الجِلْدُ سَلِيمًا أو لا، وهل هو ثَخِينٌ أو رَقِيقٌ، ولأنَّه لا يجوزُ أن يكونَ ثمَنًا في البَيْعِ، فلا يجوزُ أن يكونَ عِوَضًا في الإِجَارَةِ، كسائِر المَجْهُولاتِ. فإن سَلَخَه بذلك، فله أجْرُ مِثْلِه. وإن اسْتَأْجَرَه لِطَرْحِ مَيْتةٍ بِجِلْدِها، فهو أبْلَغُ في الفَسَادِ؛ لأنَّ جِلْدَ المَيْتةِ نَجِسٌ لا يجوزُ بَيْعُه، وقد خَرَجَ بمَوْتِه عن كَوْنِه مِلْكًا. وإن فَعَلَ، فله أجْرُ مِثْلِه أيضًا.

فصل: ولو اسْتَأْجَرَ رَاعِيًا لِغَنَمٍ بثُلُثِ دَرِّهَا ونَسْلِها وصُوفِها وشَعْرِها، أو نِصْفِه، أو جَمِيعِه، لم يَجُزْ. نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوَايةِ جعفرِ بن محمدٍ النَّسَائِىّ (٣٠)؛ لأنَّ الأجْرَ غيرُ مَعْلُومٍ، ولا يَصْلُحُ عِوَضًا في البَيْعِ. وقال إسماعِيلُ بن سَعِيدٍ: سَأَلْتُ أحمدَ عن الرَّجُلِ يَدْفَعُ البَقَرةَ إلى الرَّجُلِ، على أن يَعْلِفَها ويَتَحَفَّظَها (٣١)، وما وَلَدَتْ من وَلَدٍ


(٢٩) سقط من: م.
(٣٠) جعفر بن محمد النسائي، روى عن الإِمام أحمد أجزاء صالحة، ومسائل كثيرة، وقتل بمكة، في شيء من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. طبقات الحنابلة ١/ ١٢٤.
(٣١) في الأصل: "ويحفظها".

<<  <  ج: ص:  >  >>