للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجَعُوا، ولا ضَمانَ على الحاكمِ؛ لأنَّه أمْكَنَ إحالةُ الضَّمانِ على الشُّهودِ، فأشْبَهَ ما إذا رجَعُوا عن الشَّهادةِ. وقولُه: إِنَّ شهادتَهم شَرْط. لا يَصِحُّ؛ لأنَّ مِن أصْلِنا أَنَّ شهودَ الإِحْصانِ يَلْزَمُهم الضَّمانُ، وإن لم يَشْهدُوا بالسَّبَبِ. وقد نَصَّ عليه أحمدُ. وقولُ أبى الخَطَابِ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ شُهودَ الزِّنَى لم يرْجِعُوا، ولا عُلِمَ كذِبُهم، بخلافِ المُزَكِّيَيْنِ؛ فإنَّه تبَيَّنَ كَذِبُهم، وأنَّهم شهِدُوا بالزُّورِ. وأمَّا إن تبَيَّنَ فِسْقُ المُزَكِّيَيْنِ، فالضَّمانُ على الحاكمِ؛ لأنَّ التَّفْريطَ منه، حيثُ قَبِلَ شهادةَ فاسقٍ من غيرِ تَزْكِيَةٍ ولا بَحْثٍ، فيَلْزَمُه الضَّمانُ، كما لو قَبِلَ شهادةَ شُهودِ الزِّنَى من غيرِ تَزْكِيَةٍ، ثم تَبَيَّنَ فِسْقُهم.

فصل: ولو جلَدَ الإِمامُ إنسانًا بشهادةِ شُهودٍ، ثم بانَ أنَّهم فَسَقةٌ، أو كَفَرةٌ، أو عَبِيدٌ، فعلى الإِمامٍ ضَمانُ ما حصَلَ من أثرِ (٧) الضَّربِ. وبهذا قال الشافعىُّ. وقال أبوٍ حنيفةَ: لا ضَمان عليه. ولَنا، أنَّها جنايةٌ صدَرَتْ عن خَطأِ الإِمامِ، فكانتْ مَضْمونةً عليه، كما لو قَطَعَه أو قَتَلَه.

فصل: ولو حكمَ الحاكمُ بمالٍ بشَهادةِ شاهديْنِ، ثم بانَ أنَّهما فاسِقان، أو كافِرانِ، فإنَّ الإِمامَ ينْقُضُ حُكْمَه، ويَرُدُّ المالَ إن كان قائمًا، وعِوَضَه إن كان تالِفًا. فإنْ تعذَّر ذلك لإِعْسارِه أو غيرِه، فعاى الحاكمِ ضَمانُه، ثم يَرْجِعُ على المشْهودِ له. وعن أحمدَ، رواية أُخْرَى، لا يَنْقُضُ حُكْمَه إذا كانا فاسِقَيْنِ، ويَغْرَمُ الشُّهودُ المالَ، وكذلك الحكمُ إذا شهِدَ عندَه عَدْلان أَنَّ الحاكمَ قَبْلَهَ حكمَ بشَهادةِ فاسِقَيْنِ، ففيه الرِّوايتان (٨). واخْتَلفَ أصْحابُ الشافعىِّ فيه أيضًا. ولا خلافَ بين الجميعِ فى أنَّه يَنْقُضُ حكمَه إذا كانا كافريْنِ، وينْقُضُ حكمَ غيرِه إذا ثبتَ عندَه أنَّه حَكَمَ بشَهادةِ كافِرَيْنِ، فنَقيسُ على ذلك ما إذا حكَمَ بشهادةِ فاسقَيْنِ، فإِنَّ شهادةَ الفاسِقَيْنِ مُجْمَعٌ على رَدِّها، وقد نَصَّ اللَّه تعالَى على التَّبَيُّنِ فيها، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (٩). وأمرَ


(٧) سقط من: ب.
(٨) فى ب، م: "روايتان". وبعده فى ب، م زيادة: "ولا يغرم الشهود المال وكذلك الحاكم إذا شهد". خطأ وتكرار.
(٩) سورة الحجرات ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>