للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذَكَرْنا ما يَدُلُّ على أنَّه على العامِلِ. فأمَّا تَسْمِيدُ الأرْضِ بالزِّبْلِ إن احْتَاجَتْ إليه، فشِرَاءُ ذلك على رَبِّ المالِ؛ لأنَّه ليس من العَمَلِ، فجَرَى مَجْرَى ما يُلَقَّحُ به، وتَفْرِيقُ ذلك في الأرْضِ على العامِلِ، كالتَّلْقِيحِ. وإن أطْلَقَا العَقْدَ، ولم يُبَيِّنَا ما على كلِّ واحدٍ منهما، فعلى كلِّ واحدٍ منهما ما ذَكَرْنا أنَّه عليه. وإن شَرَطَا ذلك، كان تَأْكِيدًا. وإن شَرَطَا على أحَدِهِما شيئا ممَّا يَلْزَمُ الآخَرَ، فقال القاضي، وأبو الخَطَّابِ: لا يجوزُ ذلك. فعلى هذا تَفْسُدُ المُسَاقاةُ، وهو مذهبُ الشّافِعِىِّ؛ لأنَّه شَرْطٌ يُخَالِفُ مُقْتَضَى العَقْدِ، فأَفْسَدَه، كالمُضَارَبةِ إذا شُرِطَ العَمَلُ فيها على رَبِّ المالِ. وقد رُوِىَ عن أحمدَ ما يَدُلُّ على صِحَّةِ ذلك؛ فإنَّه ذَكَرَ أنَّ الجِذَاذَ عليهما، فإن شَرَطَه على العامِلِ، جازَ. وهذا مُقْتَضَى كَلَامِ الخِرَقِىِّ في المُضَارَبةِ؛ لأنَّه شَرْطٌ لا يُخِلُّ بمَصْلَحةِ العَقْدِ، ولا مَفْسَدَةَ فيه، فصَحَّ، كتَأْجِيلِ الثّمَنِ في المَبِيعِ، وشَرْطِ الرَّهْنِ والضَّمِينِ والخِيَار فيه، لكنْ يُشْتَرَطُ أن يكونَ ما يَلْزَمُ كلَّ واحدٍ من العَمَلِ مَعْلُومًا، لِئَلَّا يُفْضِىَ إلى التَّنَازُعِ والتَّوَاكُلِ، فيَخْتَلَّ العَمَلُ، وأن لا يكونَ ما على رَبِّ المالِ أكْثَرَ العَمَلِ؛ لأنَّ العامِلَ يَسْتَحِقُّ بِعَمَلِه، فإذا لم يَعْمَلْ أكْثَرَ العَمَلِ، كان وُجُودُ عَمَلِه كعَدَمِه، فلا يَسْتَحِقُّ شيئا.

فصل: فأمَّا الجِذَاذُ والحصَادُ واللِّقَاطُ، فهو على العامِل. نَصَّ أحمدُ عليه في الحصَادِ، وهو مذهبُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّه من العَمَلِ، فكان على العامِلِ، كالتَّشْمِيسِ. ورُوِى عن أحمدَ في الجِذَاذِ، أنَّه إذا شَرَطَ على العامِلِ، فجائِزٌ؛ لأنَّ العَمَلَ عليه، وإن لم يَشْرُطْه، فعلى رَبِّ المالِ بِحِصَّتِه ما يَصِيرُ إليه [وعلى العاملِ بحِصَّتِه ما يصيرُ إليه] (٤٨). فظاهِرُ هذا أنَّه جَعَلَ الجِذَاذَ عليهما، واخْتارَ (٤٩) اشْتِرَاطَه على العامِلِ. وهو قولُ بعضِ الشافِعِيّةِ. وقال محمدُ بن الحَسَنِ: تَفْسُدُ المُساقاةُ بِشَرْطِه على العامِلِ؛ لأنَّه شَرْطٌ


(٤٨) سقط من: م.
(٤٩) في م: "وأجاز".

<<  <  ج: ص:  >  >>