للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٩٥١ - مسألة؛ قال: (ويُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ لَمْ يُوجَدْ مَعَهُ شَيْءٌ يُنْفَقُ عَلِيْهِ)

وجملتُه أن اللَّقِيطَ إذا لم يُوجَدْ معه شيءٌ، لم يُلْزَمِ المُلْتَقِطُ بالإِنْفاقِ (١) عليه، في قول عَامَّةِ أهْلِ العِلْمِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: [أجْمَعَ كلُّ] (٢) مَن نَحْفَظُ عنه من أهْلِ العِلْمِ، على أنَّ نَفَقَةَ اللَّقِيطِ غيرُ واجِبَةٍ على المُلْتَقِطِ، كوُجُوبِ نَفَقَةِ الوَلَدِ. وذلك لأنَّ أسْبابَ وُجُوبِ النَّفَقةِ، من القَرَابةِ، والزَّوْجِيَّةِ، والمِلْكِ، والوَلَاءِ، مُنْتَفِيَةٌ، والالْتِقَاطُ إنَّما هو تَخْلِيصٌ له من الهَلَاكِ، وتَبَرُّعٌ بحِفْظِه، فلا يُوجِبُ ذلك النَّفَقَةَ، كما لو فَعَلَه بغير اللَّقِيطِ. وتَجِبُ نَفَقَتُه في بَيْتِ المالِ؛ لقولِ عمرَ، رَضِىَ اللَّه عنه، في حَدِيثِ أبِى جَمِيلَةَ: اذْهَبْ فهو حُرٌّ، ولك وَلَاؤُه، وعلينا نَفَقَتُه (٣). وفي رِوَايةٍ: مِن بَيْتِ المالِ؛ ولأنَّ بَيْتَ المالِ وارِثُه، ومالُه مَصْرُوفٌ إليه، فتكونُ نَفَقَتُه عليه، كقَرَابَتِه ومَوْلَاهُ. فإن تَعَذَّرَ الإِنْفاقُ عليه من بَيْتِ المالِ، لِكَوْنِه لا مَالَ فيه، أو كان في مكانٍ لا إمَامَ فيه، أو لم يُعْطَ شيئا، فعلى مَنْ عَلِمَ حالَه من المُسْلِمينَ الإِنْفَاقُ عليه؛ لقَوْلِ اللَّه تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (٤). ولأنَّ في تَرْكِ الإِنْفاقِ عليه هَلَاكَه، وحِفْظُه عن ذلك واجِبٌ، كإنْقاذِه من الغَرَقِ. وهذا فَرْضُ كِفَايةٍ، إذا قامَ به قَوْمٌ سَقَطَ عن الباقِينَ، فإن تَرَكَه الكُلُّ أَثِمُوا. ومَنْ أنْفَقَ عليه مُتَبَرِّعًا، فلا شىءَ له، سواءٌ كان المُلْتَقِطَ أو غيرَه. وإن لم يَتَبَرَّعْ بالإِنْفاقِ عليه، فأنْفَقَ عليه المُلْتَقِطُ أو غيرُه مُحْتَسِبًا بالرُّجُوعِ عليه إذا أيْسَرَ، وكان ذلك بأمْرِ الحاكِمِ، لَزِمَ اللَّقِيطَ ذلك إذا كانت النَّفَقَةُ قَصْدًا بالمَعْرُوفِ. وبهذا قال الثَّوْرِيُّ، والشافِعِيُّ، وأصْحابُ الرأى. وإن


(١) في م: "الإِنفاق".
(٢) في م: "وجميع".
(٣) تقدم تخريجه في صفحة ٣٥٠.
(٤) سورة المائدة ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>