للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإذا تَمَّتِ الشَّهَادةُ بالزِّنَى، فصَدَّقَهم المشهودُ عليه (٣٦)، لم يسْقُطِ الحَدُّ. وقال أبو حنيفةَ: يسقطُ؛ لأنَّ شَرْطَ صِحَّةِ البَيِّنَةِ الإِنْكارُ، وما كَمَلَ الإِقْرارُ. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى: {فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} (٣٧). وبيَّنَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- السَّبِيلَ بالحَدِّ، فتجبُ إقامتُه، ولأنَّ البَيِّنَةَ تَمَّتْ عليه، فوَجَبَ الحَدُّ، كما لو لم يَعْتَرِفْ، ولأنَّ البَيِّنَةَ أحدُ حُجَّتَىِ الزِّنَى، فلم يَبْطُلْ بوُجودِ الحُجَّةِ الأُخْرَى أو بعضِها، كالإِقْرارِ، يحققُه أنَّ وُجودَ الإِقرارِ يُؤكِّدُ البَيِّنَةَ، ويُوافقُها، ولا يُنَافِيها، فلا يَقْدَحُ فيها، كتَزْكِيَةِ الشُّهودِ، والثَّناءِ عليهم، ولا نُسَلِّمُ اشْتراطَ الإِنْكارِ، وإنَّما يُكْتَفَى بالإِقْرارِ في غيرِ الحَدِّ إذا وُجِدَ بكَمالِه، وههُنا لم يَكْمُلْ، فلم يَجُزْ الاكْتفاءُ به، ووجبَ سَماعُ البَيِّنَةِ، والعملُ بها. وعلى هذا، لو أقرَّ مرَّةً، أو دونَ الأرْبعِ، لم يَمْنَعْ ذلك سماعَ البَيِّنَةِ عليه، ولو تَمَّت البَيِّنَةُ عليه، وأقرَّ على نفسِه إقْرارًا تامًّا، ثم رَجَعَ عن إقْرارِه، لم يسْقُطْ عنه الحَدُّ برُجوعِه، وقولُه يقْتضِى خِلافَ ذلك.

فصل: وإن شهدَ شاهدان، واعْترفَ هو مَرَّتَيْنِ، لم تَكْمُلِ البَيِّنَةُ، ولم يجبِ الحَدُّ. لا نعلمُ في هذا خِلافًا بينَ مَن اعْتَبَرَ إقْرارَ أرْبَعِ مرَّاتٍ، وهو قولُ أصحابِ الرَّأْىِ؛ لأنَّ إحْدَى الحُجَّتَيْنِ لم تَكْمُلْ، ولا تُلَفَّقُ إحداهُما بالأُخْرَى، كإقْرارِ بَعْضٍ مَرَّةً.

فصل: وإن كَمَلَتِ البَيِّنَةُ، ثم ماتَ الشُّهودُ أو غابُوا، جازَ الحُكْمُ بها، وإقامةُ الحَدِّ. وبه قال الشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يجوزُ الحكمُ؛ لجَوازِ أنْ يكونُوا رَجَعُوا، وهذه (٣٨) شُبْهَةٌ تَدْرَأُ الحَدَّ. ولَنا، أنَّ كُلَّ شهادةٍ جازَ الحكمُ بها مع حُضورِ الشُّهودِ، جاز مع غَيْبَتِهم، كسائرِ الشَّهاداتِ، واحتمالُ رُجوعِهم ليس بشُبْهَةٍ، كما لو حُكِمَ بشهادتِهم.

فصل: وإن شَهِدُوا بِزنًى قديمٍ، أو أقرَّ به، وجبَ الحَدُّ. وبهذا قال مالِكٌ،


(٣٦) في م زيادة: "بالزنى".
(٣٧) سورة النساء ١٥.
(٣٨) في الأصل: "وهذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>