للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأكْبَرَ يَتَكَلَّم. وقال أبُو عبدِ اللهِ بن حامِدٍ: أَحَقُّهُم بعد القِرَاءةِ والفِقْهِ أشْرَفُهُم، ثم أقْدَمُهم هِجْرَةً، ثم أسَنُّهُم. والصَّحِيحُ، الأخْذُ بما دَلَّ عليه حَدِيثُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في تَقدِيمِ السَّابِقِ بالهِجْرَةِ، ثم الأَسَنِّ؛ لِتَصْرِيحِهِ بالدَّلَالَةِ، ولا دَلَالَة في حَدِيثِ مالِكِ بن الحُوَيْرِثِ على تَقْدِيم الأَسَنِّ؛ لأنَّه لم يَثْبُتْ في حَقِّهِما هِجْرَةٌ ولا تَفَاضُلُهما في شَرَفٍ، ويُرَجَّحُ بتقدُّمِ (٨) الإِسْلامِ كَالتَّرْجِيحِ بتقدُّمِ (٨) الهِجْرَةِ، فإنَّ في بعضِ ألْفَاظِ حَدِيثِ أبى مَسْعُودٍ: "فإن كانوا في الهِجْرَةِ سَوَاءً فأقْدَمُهُم سِلْمًا" ولأنَّ الإِسْلامَ أشْرَفُ من الهِجْرَةِ، فإذا قُدِّمَ بِتَقَدُّمِها فتَقَدُّمُه أوْلَى. فإذا اسْتَوَوْا في هذا كُلِّه قُدِّمَ أَشْرَفُهُم، أي أعْلَاهُمْ نَسَبًا، وأفْضَلُهم في نَفْسِه، وأعْلَاهم قَدْرًا؛ لِقَوْلِ رَسولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قَدِّمُوا قُرَيشًا ولا تَقَدَّمُوهَا" (٩).

فصل: فإن اسْتَوَوْا في هذه الخِصَالِ، قُدِّمَ أتْقاهُم وأوْرَعُهم؛ لأنَّه أشْرَفُ في الدِّينِ، وأَفْضَلُ وأَقْرَبُ إلى الإِجابَةِ، وقد جاء: "إذَا أَمَّ الرَّجُلُ القَوْمَ وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ لَمْ يَزَالُوا في سَفَالٍ". ذَكَرَهُ الإِمامُ أحْمدُ في "رِسَالَتِه" (١٠) , ويُحْمَلُ تقديمُ هذا على الأشْرَف، لأنَّ شَرَفَ الدِّينِ خَيْرٌ من شَرَفِ الدُّنْيَا، وقد قال اللهُ تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (١١). فإذا اسْتَوَوْا في هذا كُلِّه أُقْرِعَ بَيْنَهم. نَصَّ عليه أحْمدُ، رَحِمَهُ اللهُ. وذلك لأنَّ سَعْدَ بن أبِى وَقَّاصٍ أَقْرَعَ بينهم في الأذانِ، فالإِمامةُ أوْلَى، ولأنَّهم تَسَاوَوْا في الاسْتِحْقَاقِ، وتَعَذَّرَ الجَمْعُ، فأُقْرِعَ


= ٦/ ١٩٢، ١٩٣. والنسائي، في: باب ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر سهل عنه، من كتاب القسامة. المجتبى ٨/ ٧ - ١٢. والإمام أحمد، في: المسند ٤/ ٢، ٣.
(٨) في م: "بتقديم".
(٩) الحديث في الكامل لابن عدى ٥/ ١٨١٠. وفى ترتيب مسند الشافعي للسندى ٢/ ١٩٤ حديث رقم (٦٩١) أول كتاب المناقب. وفي فيض القدير للمناوى ٤/ ٥١٢ حديث رقم (٦١٠٩) وعزاه للطبراني، وحديث رقم (٦١١٠) وعزاه للبزار.
(١٠) الرسالة السنية، ضمن مجموعة الحديث النجدية ٤٥٧.
(١١) سورة الحجرات ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>