للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإذا اسْتعان أهلُ البَغْي بِالكُفَّارِ، فلا يَخْلُو مِنْ ثلاثة أصْنافٍ؛ أَحَدُهم، أهلُ الحَرْبِ، فإذا اسْتعانُوا بهم، أو آمَنُوهم (٨)، أو عَقَدوا لهم ذِمَّةً، لم يَصِحَّ واحدٌ منها؛ لأَنَّ الأَمانَ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِه الْتِزَامُ (٩) كَفِّهم عن الْمسلمين, وهؤلاءِ يَشْتَرِطُون عليهم قِتالَ المسلمينَ، فلا يصِحُّ، ولِأهْلِ العَدْلِ قِتَالُهم، كمَنْ لم يُؤَمِّنُوه سَواءً. وحُكْمُ أَسِيرِهم، حُكْمُ أَسِيرِ سائرِ أَهْلِ الحَرْبِ قبلَ الاسْتِعانَةِ بهم، فأمَّا أهْلُ البَغْيِ، فلا يَجوزُ لهم قَتْلُهم؛ لأنَّهم آمَنُوهم، فلا يجوزُ لهم الْغَدْرُ بهم. الصِّنْفُ الثاني، المُسْتأْمَنُونَ، فمتى اسْتعانُوا بهم فأعانُوهُم، نَقَضُوا عَهْدَهم، وصاروا كأَهْلِ الْحَرْبِ؛ لأنَّهم تَرَكُوا الشَّرْطَ، وهو كَفُّهم عن المسلمين، فإنْ فعلُوا ذلك مُكرَهِين، لم يَنْتَقِضْ عَهْدُهم؛ لأنَّ لهم عُذْرًا، وإن ادَّعَوا الإِكْرَاهَ، لم يُقْبَلْ قَوْلُهم إِلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لأنَّ الأَصْلَ عَدَمُه. الصِّنْفُ الثَّالِثُ، أَهلُ الذِّمَّةِ، فإذا أعانُوهم، وقاتَلُوا معهم، ففيهِمْ وَجْهانِ، ذَكَرهما أبو بكر؛ أحدُهما، يَنْتَقِضُ عَهْدُهم؛ لأنَّهم قَاتَلُوا أهلَ الحَقِّ، فَيَنْتَقِضُ (١٠) عَهْدُهم، كما لو انْفَرَدُوا بقِتالِهم. والثاني، لا يَنْتَقِضُ؛ لأنَّ أهلَ الذِّمَّةِ لا يَعْرِفُون المُحِقَّ من المُبْطِلِ، فيكونُ ذلك شُبْهَةً لهم. وللشَّافِعِىّ قَوْلانِ، كالْوَجْهَيْنِ. فإنْ قُلْنا: يَنْتَقِضُ عَهْدُهم. صارُوا كأَهْلِ الْحَرْبِ فيما ذَكَرْنا. وإن قُلْنا: لا يَنْتَقِضُ عَهْدُهم. فَحُكْمُهم حُكْمُ أَهْلِ البَغْيِ، في قَتْلِ مُقْبِلِهم، والْكَفِّ عن أسيرِهم، ومُدْبِرِهم وجَرِيحِهم، إلا أنَّهم يَضْمَنُونَ ما أَتْلَفُوه (١١) على أَهْلِ العَدْلِ حالَ القتَالِ وغيرِه، بخِلافِ أَهْلِ البَغْيِ، فإنَّهم لا يَضْمَنُونَ ما أَتْلَفُوه (١١) حالَ الْحَرْبِ؛ لأنَّهُم أَتْلَفُوه (١١) بِتَأْوِيلٍ سائغٍ، وهؤلاء لا تَأْوِيلَ لهم، ولأنَّه سَقَطَ الضَّمَانُ عن المسلمين كيْلا يُؤَدِّىَ إلى تَنْفِيرِهم عن الرُّجُوع إلى الطَّاعةِ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ لا حَاجَةَ بنا إلى ذلك فيهم. وإنْ أكْرَهَهم البُغاةُ على مَعُونَتِهم، لم يَنْتَقِضْ عَهْدُهم، وإن ادَّعَوْا ذلك، قُبِلَ قَوْلُهم؛ لأَنَّهم تحتَ أيْدِيهم وقُدْرَتِهم. وإن قالوا


(٨) في الأصل: "وآمنوهم".
(٩) في ب، م: "إلزام".
(١٠) في الأصل: "فانتقض".
(١١) في ب، م: "أتلفوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>