وتَفْسِيرُها بذلك دَلِيلٌ على أنَّه أرادَ السُّكْنَى، فأشْبَهَ ما لو قال: هذه لك سُكْنَاها. وإذا احْتَمَلَ أن يُرِيدَ له الرَّقَبةَ، واحْتَمَلَ أن يُرِيدَ السُّكْنَى، فلا نُزِيلُ مِلْكَه بالاحْتِمالِ.
فصل: إذا وَهَبَ هِبَةً فاسِدَةً، أو باعَ بَيْعًا فاسِدًا، ثم وَهَبَ تلك العَيْن، أو باعَها بِعَقْدٍ صَحِيحٍ، مع عِلْمِه بِفَسَادِ الأَوَّل، صَحَّ العَقْدُ الثاني؛ لأنَّه تَصَرَّفَ في مِلْكِه، عالِمًا بأنَّه مِلْكُه. وإن كان يَعْتَقِدُ صِحَّةَ العَقْدِ الأوَّلِ، ففى صِحَّةِ الثاني وَجْهَانِ؛ أحدهما، صَحَّتُه؛ لأنَّ تَصَرُّفَه صادَفَ مِلْكَه، وتَمَّ بِشُرُوطِه، فصَحَّ، كما لو عَلِمَ فسَادَ الأَوَّلِ. والثاني، لا يَصِحُّ؛ لأنَّه تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا يَعْتَقِدُ فَسَادَه، فَفَسَدَ (٣)، كما لو صَلَّى يَعْتَقِدُ أنَّه مُحْدِثٌ، فبانَ مُتَطَهِّرًا. وهكذا لو تَصَرَّفَ في عَيْنٍ يَعْتَقِدُ أنَّها لأبِيه، فبانَ أنَّه قد ماتَ ومَلَكَها بالمِيرَاثِ، أو غَصَبَ عَيْنَها فباعَها يَعْتَقِدُها مَغْصُوبةً، فبانَ أنَّها مِلْكُه، فعلى الوَجهَيْنِ. قال القاضي: أصْلُ الوَجْهَيْنِ مَن باشَرَ امْرَأةً بِطَلَاقٍ يَعْتَقِدُها أجْنَبِيّةً، فبانَتِ امْرَأتُه، أو واجَه بالعِتْقِ مَن يَعتَقِدُها حُرَّةً، فبانَتْ أمَتُه، ففى وُقُوعِ الطَّلَاقِ والحُرِّيَّةِ رِوَايتانِ. ولِلشّافِعِيَّةِ في هذه المَسَائِل وَجْهانِ، كما حَكَيْنا. واللَّه أعلمُ.