للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: قال أحمدُ، في رِوَايةِ العَبَّاسِ ابن موسى (٤)، في غُلَامٍ له عَشْرُ سِنِينَ، الْتَقَطَ لُقَطةً، ثم كَبِرَ: فإن وَجَدَ صاحِبَها دَفَعَها إليه، وإلَّا تَصَدَّقَ بها. قد مَضَى (٥) أجَلُ التَّعْرِيفِ فيما تَقَدَّمَ من السِّنِين، ولم يَرُدَّ عليه اسْتِقْبالَ أجَلِ التَّعْرِيفِ. قال: وقد كنت سَمِعْتُه قبلَ هذا أو بعدَه يقول في انْقِضاءِ أجَلِ التَّعْرِيفِ إذا لم يَجِدْ صاحِبَها (٦): أيَتَصَدَّقُ بمالِ الغيرِ! وهذه المَسْألةُ قد مَضَى نحوُها فيما إذا لم يُعَرِّفِ المُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ في حَوْلِها، فإنَّه لا يَمْلِكُها وإن عَرَّفَها فيما بعدَ ذلك؛ لأنَّ التَّعْرِيفَ بعدَه لا يُفِيدُ ظاهِرًا، لِكَوْنِ صاحِبِها يَئِسَ منها، وتَرَكَ طَلَبَها. وهذه المسألةُ تَدُلُّ على أنَّه إذا تَرَكَ التَّعْرِيفَ لِعُذْرٍ، كان كَتَرْكِه لغير عُذْرٍ؛ لكَوْنِ الصَّبِىِّ من أهْلِ العُذْرِ، وقد ذَكَرْنا في هذا وَجْهَينِ فيما تَقَدَّمَ. وقال أحمدُ، في غُلَامٍ لم يَبْلُغْ، أصَابَ عَشْرَةَ دَنانِيرَ، فذَهَبَ بها إلى مَنْزِلِه، فضَاعَتْ، فلما بَلَغَ أرَادَ رَدَّها، فلم يَعْرِفْ صاحِبَها: تَصَدَّقَ بها، وإن لم يَجِدْ عَشَرَةً، وكان يُجْحِفُ به، تَصَدَّقَ قَلِيلًا قَلِيلًا. قال القاضي: معنى هذا أنَّها تَلِفَتْ بِتَفْرِيطِ الصَّبِىِّ، وهو أنَّه لم يُعْلِمْ وَلِيَّهُ حتى يَقُومَ بِتَعْرِيفِها.

فصل: وإذا وَجَدَ العَبْدُ لُقَطةً، فله أخْذُها بغيرِ إذْنِ سَيِّدِه، ويَصِحُّ الْتِقَاطُه. وبهذا قال أبو حنيفةَ، وهو أحَدُ قَوْلَىِ الشافِعِىِّ. وقال في الآخَرِ (٧): لا يَصِحُّ الْتِقاطُه؛ لأنَّ اللُّقَطةَ في الحَوْلِ الأوَّلِ [أمانَةٌ ووِلَايَةٌ، وفى] (٨) الثاني تَمَلُّكٌ، والعَبْدُ ليس من أهْلِ الوِلَاياتِ ولا المِلْكِ. ولَنا، عُمُومُ الخَبَرِ، ولأنَّ الالْتِقاطَ سَبَبٌ يَمْلِكُ به الصَّبِىُّ ويَصِحُّ منه، فصَحَّ من العَبْدِ، كالاحْتِطابِ والاصْطِيادِ، ولأنَّ مَنْ جازَ له قبولُ


(٤) أي العباس بن محمد بن موسى. وتقدمت ترجمته.
(٥) في م: "أمضى".
(٦) في الأصل: "صاحبه".
(٧) في م: "الآخذ" تحريف.
(٨) في م: "أمانة ولاية في".

<<  <  ج: ص:  >  >>