للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَدْتُ مائةَ دِينارٍ، فأتَيْتُ بها النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "عَرِّفْها حَوْلًا". فعَرَّفْتُها حَوْلًا فلم تُعْرَفْ، فرَجَعْتُ إليه، فقال: "اعْرِفْ عِدَّتَها وَوِعَاءَهَا وَوِكاءَهَا، واخْلِطْها بمَالِكَ، فَإنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ". ففى هذا الحَدِيثِ أنه أمَرَه بمَعْرِفَةِ صِفَاتِها بعدَ التَّعْرِيفِ، وفى غيرِه أمَرَه بمَعْرِفَتِها حين الْتِقَاطِها قبلَ تَعْرِيفِها (٣). وهو الأَوْلَى؛ لِيَحْصُلَ عنده عِلْمُ ذلك، فإذا جاء صاحِبُها فَنَعتَها، غَلَبَ على ظَنِّه صِدْقُه فيجوزُ الدَّفْعُ إليه (٤) حينئذٍ. وإن أخَّرَ مَعْرِفَةَ ذلك إلى حينِ مجىءِ باغِيها، جازَ؛ لأنَّ المَقْصُودَ يَحْصُلُ بمَعْرِفَتِها حينئذٍ. وإن لم يَجِىءْ طالِبُها، فأرَادَ التَّصَرُّفَ فيها بعدَ الحَوْلِ، لم يَجُزْ له حتى يَعْرِفَ صِفَاتِها؛ لأنَّ عَيْنَها تَنْعَدِمُ بالتَّصَرُّفِ، فلا يَبْقَى له سَبِيلٌ إلى مَعْرِفَةِ صِفَاتِها إذا جاء صَاحِبُها. وكذلك إن خَلَطَها بمالِه على وَجْهٍ لا تَتَمَيَّزُ منه، فيكونُ أمْرُ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لأُبَىّ بمَعْرِفَةِ صِفَاتِها عند خَلْطِها بمالِه أمْرَ إيجابٍ مُضَيَّقٍ، وأمْرُه لِزَيْدِ بن خالِدٍ بِمَعْرِفةِ ذلك حين الالْتِقَاطِ واجِبًا مُوَسَّعًا. واللَّه أعلمُ. قال القاضي: يَنْبَغِى أن يَعْرِفَ جِنْسَها دَرَاهِمَ أو دَنانِيرَ، ونَوْعَها، وإن كانت ثِيابًا عَرَفَ لُفَافَتَها وجِنْسَها، ويَعْرِفُ قَدْرَها بالكَيْلِ، وبالوَزْنِ، أو بالعَدَدِ، أو الذَّرْعِ، ويَعرِفُ العَقْدَ عليها، هل هو عَقْدٌ واحِدٌ أو أكْثَر، أُنْشُوطَةً (٥) أو غيرُها، ويَعْرِفُ صِمَامَ القارُورَةِ [الذي يَدْخُلُ] (٦) رَأْسَها، وعِفَاصَها الذي تَلْبَسُه.

فصل: ويُسْتَحَبُّ أن يُشْهِدَ عليها حين يَجِدُها. قال أحمدُ، رَحِمَه اللهُ: لا أُحِبُّ أن يَمَسَّها حتى يُشْهِدَ عليها. فظاهِرُ هذا أنه مُسْتَحَبٌّ غيرُ واجِبٍ، وأنَّه إن لم يُشْهِدْ عليها لا ضَمَانَ عليه. وبهذا قال مالِكٌ. والشافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: إذا لم يُشْهِدْ عليها ضَمِنَها؛ لقولِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً، فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ، أو ذَوِى


(٣) في م: "التعريف".
(٤) في م: "عليه".
(٥) الأنشوطة: عقدة يسهل انحلالها.
(٦) في م: "التي تدخل".

<<  <  ج: ص:  >  >>