وجملةُ ذلك أنَّ الطَّلاقَ لا يَقَعُ إلا بلَفْظٍ، فلو نَوَاهُ بقَلْبِه مِن غيرِ لفظٍ، لم يَقَعْ، فى قولِ عامَّةِ أهلِ العلمِ؛ منهم عَطاءٌ، وجابرُ بنُ زيْدٍ، وسعيدُ بنُ جُبَيرٍ، ويحيى بنُ أبى كَثِيرٍ، والشَّافعىُّ، وإسحاقُ. ورُوِىَ أيضًا عن القاسِمِ، وسالِمٍ، والحَسَنِ، والشَّعْبِىِّ. وقال الزُّهرِىُّ: إذا عزَمَ على ذلك طَلُقَتْ. وقال ابنُ سِيرينَ، فى من طَلَّقَ فى نفسِه: أليس قد عَلِمَه اللَّهُ. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِى عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ نَفْسَهَا، مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِهِ أَوْ تَعْمَلْ". رَوَاه النَّسائىُّ، والتِّرمذىُّ (١). وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ. ولأنَّه تَصرُّف يُزيلُ المِلكَ، فلم يَحْصُلْ بالنِّيَّةِ كالبيعِ والهِبَةِ. وإن نَواهُ بقلبه، وأشارَ بأصابعِه، لم يَقعْ أيضًا؛ لما ذكَرْناه. إذا ثَبَتَ أنَّه يُعتبرُ فيه اللَّفظُ، فاللَّفظُ يَنْقسِمُ فيه إلى صريحٍ وكنايةٍ، فالصَّريحُ يقَعُ به الطَّلاقُ مِن غيرِ نِيَّةٍ، والكنايةُ لا يَقعُ بها الطَّلاقُ حتى يَنْوِيَه، أو يَأْتِىَ بما يَقومُ مقامَ نِيَّتِه.
هذا يَقْتضِى أَنَّ صَرِيحَ الطَّلاقِ ثلاثةُ ألفاظٍ؛ الطَّلاقُ، والفِراقُ، والسَّرَاحُ، وما تَصرَّفَ مِنهنَّ. وهذا مذهبُ الشَّافعىِّ. وذهبَ أبو عبدِ اللَّهِ ابنُ حامدٍ، إلى أَنَّ صَرِيحَ الطَّلاقِ لفظُ الطَّلاقِ وحدَه، وما تَصرَّفَ منه لا غيرُ. وهو مذهبُ أبى حنيفةَ، ومالكٍ، إلَّا أَنَّ مالكًا يُوقِعُ الطَّلاقَ به بغيرِ نِيَّةٍ؛ لأنَّ الكِناياتِ الظَّاهرةَ لا تَفْتقرُ عندَه إلى النِّيَّةِ. وحُجَّةُ هذا القولِ أنَّ لفظَ الفِراقِ والسَّراحِ يُسْتَعْملانِ فى غيرِ الطَّلاقِ كثيرًا، فلم يكونا