للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المالِكَ قَبُولُ ذلك (٨)؛ لأنَّها مُعَاوَضَةٌ فلا يُجْبَرُ عليها، كالبَيْعِ. وإن قال المالِكُ: دَعْهُ لي في مَكَانِه الذي نَقَلْتَه إليه. لم يَمْلِكِ الغاصِبُ رَدَّه؛ لأنَّه أسْقَطَ عنه حَقًّا فسَقَطَ وإن لم يَقْبَلْهُ، كما لو أَبْرَأَهُ من دَيْنِه. وإن قال: رُدَّهُ لي إلى بعضِ الطَّرِيقِ. لَزِمَهُ ذلك؛ لأنَّه يَلْزَمُه جَمِيعُ المَسَافَةِ، فلَزِمَهُ بعضُها المَطْلُوبُ، وسَقَطَ عنه ما أسْقَطَهُ. وإن طَلَبَ منه حَمْلَهُ إلى مكانٍ آخَرَ في غير طَرِيقِ الرَّدِّ، لم يَلْزَمِ الغاصِبَ ذلك، سواءٌ كان أَقْرَبَ من المَكَانِ الذي يَلْزَمُه رَدُّه إليه أو لم يكُنْ؛ لأنَّه مُعَاوَضَةٌ. وإن قال: دَعْهُ في مَكَانِه، وأَعْطِنِى أَجْرَ رَدِّه. لم يُجْبَرْ على إِجَابَتِه؛ لذلك. ومهما اتَّفَقَا عليه من ذلك جَازَ؛ لأنَّ الحَقَّ لهما، لا يَخْرُجُ عنهما.

فصل: وإن غَصَبَ شيئا، فشَغَلَهُ بمِلْكِه، كخَيْطٍ خَاطَ به ثَوْبًا، أو نحوَه، أو حَجَرًا بنى عليه، نَظَرْنا؛ فإن بَلِىَ الخَيْطُ، أو انْكَسَرَ الحَجَرُ، أو كان مَكانَه خَشَبَةٌ فتَلِفَتْ، لم يَأْخُذْ بِرَدِّهِ، ووَجَبَتْ قِيمَتُه؛ لأنَّه صارَ هالِكًا، فوَجَبَتْ قِيمَتُه. وإن كان باقِيًا بحالِه، لَزِمَهُ (٩) رَدُّه، وإن انْتَقَضَ البِنَاءُ، وتَفَصَّلَ الثَّوْبُ. وبهذا قال مالِكٌ، والشّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَجِبُ رَدُّ الخَشَبَةِ والحَجَرِ؛ لأنَّه صارَ تابِعًا لمِلْكِه يَسْتَضِرُّ بقَلْعِه، فلم يَلْزَمْ رَدُّه، كما لو غَصَبَ خَيْطًا فخَاطَ به جُرْحَ عَبْدِه. ولَنا، أنَّه مَغْصُوبٌ أمْكَنَ رَدُّه، ويجوزُ له فوَجَبَ، كما لو بَعَّد العَيْنَ، ولا يُشْبِهُ الخَيْطَ الذي يُخَافُ على العَبْدِ من فَلْعِه؛ لأنَّه لا يَجوزُ له رَدُّه، لما في ضِمْنِه من تَلَفِ الآدَمِىِّ. ولأنَّ حاجَتَهُ إلى ذلك تُبِيحُ أَخْذَه ابْتِداءً، بِخِلَافِ البِنَاءِ، وإن خَاطَ بالخَيْطِ جُرْحَ حَيَوانٍ، فذلك على أقْسامٍ ثلاثةٍ؛ أحدِها، أن يَخِيطَ به جُرْحَ حَيَوانٍ لا حُرْمَةَ له، كالمُرْتَدِّ والخِنْزِيرِ والكَلْبِ العَقُورِ، فيَجِبُ نَزْعُه ورَدُّه؛ لأنَّه لا يتَضَمَّنُ (١٠) تَفْوِيتَ ذى حُرْمَةٍ، فأَشْبَه ما لو خَاطَ به ثَوْبًا. والثانى، أن يَخِيطَ به جُرْحَ حَيَوانٍ مُحْتَرَمٍ، لا يَحِلُّ أَكْلُه،


(٨) سقط من: ب.
(٩) في الأصل: "لزم".
(١٠) في م: "يضمن".

<<  <  ج: ص:  >  >>