للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَفَا مُطْلَقًا، لم يَجِبْ شيءٌ. وهذا ظاهرُ مذهبِ الشافعيِّ، وقال بعضُهم: تَجِبُ الدِّيَةُ، لئلَّا يُطَلَّ (٩) الدَّمُ. وليس بشيءٍ؛ لأنَّه لو عَفَا عن الدِّيَةِ بعدَ وُجُوبِها، صَحَّ عَفْوُه، وإن عَفَا عن القِصاصِ بغيرِ مالٍ، لم يَجِبْ شيءٌ، فأمَّا إن عَفَا عن الدِّيَةِ، لم يَصِحَّ عَفْوُه؛ لأنَّها لم تَجِبْ. وإن قُلْنا: الواجبُ أحَدُ شَيْئينِ لا بعَيْنِه. فعَفَا عن القِصاصِ مُطْلَقًا، أو إلى الدِّيَةِ، وجَبَتِ الدِّيَةُ؛ لأنَّ الواجِبَ غيرُ مُعَيَّنٍ، فإذا تَرَكَ أحَدَهما وجَبَ (١٠) الآخَرُ، وإن اختارَ الدِّيَةَ، سَقَطَ القِصاصُ، وإن اختار القِصاصَ، تعَيَّنَ. وهل له بعد ذلك العَفْوُ على الدِّيَةِ؟ قال القاضي: له ذلك؛ لأنَّ القِصاصَ أعْلَى، فكان له الانْتِقالُ إلى الأدْنَى، ويكونُ بدَلًا عن القِصاصِ، وليست (١١) التي وجَبَتْ بالقَتْلِ، كما قُلْنا في الرِّوايةِ الأُولَى: إنَّ الواجِبَ القِصاصُ عَيْنًا، وله العَفْوُ إلى الدِّيَةِ. ويَحْتَملُ أنَّه ليس له ذلك؛ لأنَّه أسْقَطَها باخْتِيارِه القَوَدَ فلم يَعُدْ إليها.

فصل: وإذا جَنَى عَبْدٌ على حُرٍّ جِنايةً مُوجِبَةً للقِصاصِ، فاشْترَاه المَجْنِيُّ عليه بأرْشِ الجنايةِ، سَقَطَ القِصاصُ؛ لأنَّ عُدُولَه إلى الشِّراءِ (١٢) اختيارٌ للمالِ، ولا يَصِحُّ الشِّراءُ؛ لأنَّهما إن لم يَعْرِفَا قَدْرَ الأرْشِ فالثَّمنُ مَجْهُولٌ، وإن عَرَفَا عَدَدَ الإِبلِ وأسْنانَها فصِفَتُها مَجْهولةٌ، والجَهْلُ بالصِّفَةِ كالجَهْلِ بالذَّاتِ في فَسَادِ البَيْعِ؛ ولذلك لو باعَه شَيئًا بِحِمْلِ جَذَعٍ غيرِ مَعْرُوفِ الصِّفَةِ، لم يَصِحَّ، وإن قَدَّرَ الأرْشَ بذَهَبٍ أو فِضَّةٍ وباعَه به، صحَّ.

فصل: (١٣) إذا وَجَبَ القِصاصُ لصغيرٍ، لم يَجُزْ لوَلِيِّه العَفْوُ إلى غيرِ مالٍ؛ لأنَّه لا يَمْلِكُ إسْقاطَ حَقِّه. وإن أحَبَّ العَفْوَ إلى مالٍ، وللصَّبِيِّ كِفايةٌ من غيرِه، لم يَجُزْ؛ لأنَّ


(٩) في الأصل: "يبطل". وطلّ دمه: هدر.
(١٠) في ب: "بقى".
(١١) سقط من: ب.
(١٢) في ب زيادة: "فيه".
(١٣) في ب زيادة: "ويصح عفوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>