للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ". وفى لَفْظٍ: "فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبائِعُ، والْمُشْتَرِى بِالْخِيَارِ". رواه الإِمامُ أحمدُ (٥). ومَعْناه: إنْ شاءَ أخَذَ، وإنْ شاءَ حَلَفَ. ولأنَّ البائِعَ أقْوَى جَنَبَةً؛ لأنَّهما إذا تَحَالفا عادَ المَبيعُ إليه، فكان أقْوَى، كصاحِبِ اليَدِ، وقد بَيَّنَّا أنَّ كلَّ واحِدٍ منهما مُنْكِرٌ، فيَتساويانِ من هذا الوَجْهِ. والبائِعُ إذا نَكَلَ، فهو بمَنْزِلَةِ نُكُولِ المُشْتَرِى، يَحْلِفُ الآخَرُ، ويُقْضَى له، فهما سَوَاء.

الفصل الثالث، أنَّه إذا حَلَفَ البائِعُ فنَكَلَ المُشْتَرِى عن اليَمِينِ، قُضِىَ عليه. وإنْ نَكَلَ البائِعُ، حَلَفَ المُشْتَرِى، وقُضِىَ له. وإنْ حَلَفا جَمِيعًا، لم يَنْفَسِخِ البَيْعُ بنَفْسِ التَّحالُفِ؛ لأنَّه عَقْدٌ صَحِيحٌ، فتَنازُعُهما، وتَعارُضُهما لا يَفسَخُه، كما لو أَقامَ كُلُّ واحدٍ مِنهما بَيِّنَةً بما ادَّعاه، لكنْ إنْ رَضِىَ أحَدُهما بما قال صاحِبُه، أُقِرَّ العَقْدُ بينَهما، وإنْ لم يَرْضَيا، فلكُلِّ واحدٍ مِنهما الفَسْخُ. هذا ظاهِرُ كلامِ أحمدَ. ويَحْتَمِلُ أنْ يَقِفَ الفَسْخُ على الحاكِمِ. وهو ظاهِرُ مذهبِ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ العَقْدَ صَحِيحٌ، وأحَدُهما ظالِمٌ، وإنّما يَفْسَخُه الحاكِمُ لتَعَذُّرِ إمضائِه فى الحُكْمِ، فأشْبَهَ نِكاحَ المرأةِ إذا زَوَّجَها الوَلِيّانِ، وجُهِلَ السّابِقُ مِنهما. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أوْ يَتَرَادَّانِ البَيْعَ". وظاهِرُه اسْتِقْلالُهما بذلك، وفى القصَّةِ، أنَّ ابنَ مَسْعُودٍ، رَضِىَ اللَّه عنه باعَ الأشْعَثَ بن قَيْسٍ رَقِيقًا مِن رَقِيقِ الإِمارَةِ، فقال عبدُ اللَّه: بِعْتُكَ بِعِشْرِينَ ألْفًا. قال الأشْعَثُ: اشْتَرَيْتُ مِنك بِعَشْرَةِ آلافٍ. فقال عبدُ اللهِ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "إذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، وَالْبَيْعُ (٦) قَائِمٌ بِعَيْنِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، أوْ يَتَرَادَّانِ الْبَيْعَ". قال: فإنى أرُدُّ البَيْعَ. رواه سعيدٌ، عن هُشَيْمٍ، عن ابن أبى لَيْلَى، عن [القاسم بن عبد الرحمن] (٧)، عن ابنِ مَسْعُودٍ.


(٥) فى: المسند ١/ ٤٦٦.
كما أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء إذا اختلف البيعان، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى ٥/ ٢٧١.
(٦) فى م: "والمبيع".
(٧) فى النسخ: "عبد الرحمن بن القاسم". والتصحيح من كتب السنة، وانظر: تحفة الأشراف
٧/ ٧٤، ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>