للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّ الأصْلَ بقاؤُها إلى ما بعدَ الحَوْلِ، ودُخُولُها في مِلْكِه، ووُجُوبُ بَدَلِها عليه. فإن قيل: فقد قُلْتُم إنَّ صاحِبَها لو جاءَ [بعد بَيْعِ] (٣) المُلْتَقِطِ لها، أو هِبَتِه، لم يكُنْ له إلَّا بَدَلُها، فلِمَ قُلْتُم إنَّها إذا انْتَقَلَتْ إلى الوارِثِ يَمْلِكُ صاحِبُها أخْذَها؟ قُلْنا: لأنَّ الوارِثَ خَلِيفةُ المَوْرُوثِ، وإنَّما يَثْبُتُ له المِلْكُ فيها على الوَجْهِ الذي كان ثابتًا لِمَوْرُوثِه، ومِلْكُ مَوْرُوثِه فيها كان مُرَاعاةً مَشْرُوطًا بعَدَمِ مَجىءِ صاحِبِها، فكذلك مِلْكُ وارِثِه، بخِلَافِ مِلْكِ المُشْتَرِى والمُتَّهِبِ، فإنَّهما يَمْلِكَانِ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا.

٩٤٥ - مسألة؛ قال: (وإنْ كَانَ صَاحِبُهَا جَعَلَ لِمَنْ وَجَدَها شَيْئًا مَعْلُومًا، فَلَهُ أخْذُهُ إنْ كَانَ الْتَقَطَهَا بَعْدَ أنْ بَلَغَهُ الجُعْلُ)

وجملةُ ذلك أنَّ الجَعَالَةَ في رَدِّ الضّالّةِ والآبِقِ وغيرِهِما جائِزَةٌ. وهذا قولُ أبي حنيفةَ، ومالِكٍ، والشافِعِيِّ. ولا نَعلَمُ فيه مُخالِفًا. والأصْلُ في ذلك قولُ اللَّه عز وجل: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} (١). ورَوَى أبو سَعِيدٍ، أنَّ نَاسًا من أصْحابِ رَسُولِ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أَتَوْا حَيًّا من أحْياءِ العَرَبِ، فلم يَقْرُوهُم، فبينما هم كذلك إذ لُدِغَ سَيِّدُ أولئكَ، فقالوا: هل فيكم رَاقٍ؟ فقالوا: لم تَقْرُونا، فلا نَفْعَلُ حتى تَجْعَلُوا لنا جُعْلًا. فجَعَلُوا لهم قَطِيعَ شِياهٍ، فجَعَلَ رَجُلٌ يَقْرَأُ بأُمِّ القُرْآنِ، ويَجْمَعُ بُزَاقَه وَيتْفُلُ، فبَرَأَ الرَّجُلُ، فأَتَوْهُم بالشَّاءِ، فقالوا: لا نَأْخُذُها حتى نَسْأَلَ عنها رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فسَأَلُوا النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "وَمَا أدْرَاكَ أنَّها رُقْيَةٌ؟ خُذُوهَا، واضْرِبُوا لِى مَعَكُمْ بِسَهْمٍ". رَوَاه البُخَارِيُّ (٢). ولأنَّ الحاجَةَ تَدْعُو إلى ذلك، فإنَّ العَمَلَ قد يكونُ مَجْهُولًا، كرَدِّ الآبِقِ والضَّالَّةِ ونحوِ ذلك، ولا تَنْعَقِدُ الإِجَارَةُ فيه، والحاجَةُ داعِيَةٌ إلى رَدِّهِما، وقد لا يَجِدُ مَنْ يَتَبَرَّعُ به، فدَعَتِ الحاجَةُ إلى إبَاحةِ بَذْلِ الجُعْلِ فيه، مع جَهَالةِ العَمَلِ؛ لأنَّها غيرُ لازِمَةٍ، بخِلَافِ الإِجَارَةِ، ألا تَرَى أنَّ الإِجارَةَ لمّا كانت لازِمَةً، افْتَقَرَتْ إلى تَقْدِيرِ مُدَّةٍ، والعُقُودُ الجائِزَةُ كالشَّرِكَةِ والوَكَالةِ لا يَجِبُ تَقْدِيرُ مُدَّتِها، ولأنَّ الجائِزَةَ لكلِّ واحدٍ منهما تَرْكُها، فلا يُؤَدِّى إلى أن يَلْزَمَهُ مَجْهُولٌ عندَه،


(٣) سقط من: الأصل.
(١) سورة يوسف ٧٢.
(٢) تقدم تخريجه في صفحة ١٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>