للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَلِيلًا، ولا أصْلًا يُعْتَمَدُ عليه. وَيرُدُّها قولُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَيْسَ فيما دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ" (٥٥). وإيجَابُ الزكاةِ في قَلِيلِه وكَثِيرِه مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ أموَالِ الزكاةِ، واعْتِبَارُه بغَيْرِه مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ ما يَجِبُ عُشْرُه، واعْتِبَارُه بأَقَلَّ ما فيه الزكاة قِيمَةً لا نَظِيرَ له أَصْلًا، وقِيَاسُه (٥٦) على العُرُوضِ لا يَصِحُّ، لأنَّ العُرُوضَ لا تَجِبُ الزكاةُ في عَيْنِها، وإنَّما تَجِبُ في قِيمَتِها، ويُؤَدَّى من القِيمَةِ التي اعْتُبِرَتْ بها، والقِيمَةُ يُرَدُّ إليها كُلُّ الأمْوالِ (٥٧) المُتَقَوّمَاتِ، فلا يَلْزَمُ من الرَّدِّ إليها الرَّدُّ إلى ما لم يُرَدَّ إليه شىءٌ أصْلًا، ولا تُخْرَجُ الزكاةُ منه، ولأنَّ هذا مَالٌ تُخْرَجُ الزكاةُ من جِنْسِه، فاعْتُبِرَ نِصابُه بِنَفْسِه، كالحُبُوبِ، ولأنَّه خَارِجٌ من الأرْضِ يَجِبُ فيه العُشْرُ أو نِصْفُه، فأشْبَه سَائِرَ ما يَجبُ فيه ذلك، ولأنَّه مالٌ تَجِبُ فيه الزكاةُ، فلم يَجِبْ في قَلِيلِه وكَثِيرِه، كسَائِرِ الأمْوالِ، ولأنَّه لا نَصَّ فيما ذَكَرُوهُ، ولا إجْماعَ، ولا هو في [مَعْنَى واحدٍ منهما] (٥٨). فَوَجَبَ أن لا يُقالَ به، لِعَدَمِ دَلِيلِه. اهـ.

فصل: الحُكْمُ الثَّالِثُ، أنَّ العُشْرَ يَجِبُ فيما سُقِىَ بِغيرِ مُؤْنَةٍ، كالذي يَشْرَبُ من السَّماءِ والأنْهارِ، وما يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ، وهو الذي يُغْرَسُ في أرْضٍ مَاؤُها قَرِيبٌ من وَجْهِهَا، فتَصِلُ إليه عُرُوقُ الشَّجَرِ، فيَسْتَغْنِى عن سَقْي، وكذلك ما كانت عُرُوقُه تَصِلُ إلى نَهْرٍ أو سَاقِيةٍ. ونِصْفُ العُشْرِ فيما سُقِيَ بالمُؤَنِ، كالدَّوَالِي والنَّوَاضِحِ؛ لا نَعْلَمُ في هذا خِلَافًا. وهو قَوْلُ مَالِكٍ، والثَّوْرِيِّ، والشَّافِعِيِّ، وأصْحَابِ الرَّأْيِ، وغيرِهم. والأصْلُ فيه قولُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ والعُيُونُ أو كان عَثَرِيًّا العُشْرُ، وما سُقِىَ بالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ".


(٥٥) تقدم تخريجه في صفحة ١١.
(٥٦) في الأصل: "وقياسها".
(٥٧) في أ، م: "الأحوال" تحريف.
(٥٨) في أ، ب، م: "معناهما".

<<  <  ج: ص:  >  >>