للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وإن سَرَقَ نِصابًا أو غَصبَه فأحْرَزَه، فجاءَ المالِكُ، فهَتَكَ الْحِرْزَ؛ وأخذَ مالَه، فلا قَطْعَ فيه (٨٤) عندَ أحدٍ، سَواءٌ أخذَه سَرِقَةً أو غيرَها؛ لأنَّه أخذَ مالَه. وإن سَرَقَ غيرَه، ففيه وَجهان؛ أحدهما، لا قَطْعَ عليه (٨٥)؛ لأنَّ له شُبْهَةً في هَتْكِ الحِرْزِ، وأخْذِ مالِه، فصارَ كالسَّارقِ من غيرِ حِرْزٍ، ولأنَّ له شُبْهَةً في أخذِ قَدْرِ (٨٦) مالِه، لذَهابِ بعضِ [أهلِ العِلْمِ] (٨٧) إلى جَوازِ أخْذِ الإِنسانِ قدرَ دَيْنِه من مالِ مَنْ هو عليه. والثانى، عليه القَطْعُ؛ لأنَّه سَرَقَ نِصَابًا من حِرْزِهِ لا شُبْهَةَ له فيه، وإنَّما يجوزُ له أخْذُ قَدْرِ مالِه إذا عَجَزَ عن أخْذِ مالِه، وهذا أمْكَنَه أخذُ مالِه، فلم يَجُزْ له أخذُ غيرهِ. وكذلك الحُكْمُ إذا أَخَذَ مالَه، وأَخَذَ من غيرِه نِصَابًا مُتَمَيِّزًا عن مالِه، فإنْ كان مُخْتلِطًا بمالِه غيرَ مُتَمَيِّزٍ منه، فلا قَطْعَ عليه؛ لأنَّه أخَذَ مالَه الذي له أخْذُه، وحَصَّلَ غيرَه مأْخوذًا ضَرُورةَ أخْذِه، فيجبُ أنْ لا يُقْطعَ فيه، ولأنَّ له في أخْذِه شُبْهَةً، والحَدُّ يُدْرأُ بالشُّبُهاتِ. فأمَّا إن سَرَقَ منه مالًا آخرَ من غيرِ الْحِرْزِ الذي فيه مالُه، أو كان له دَيْنٌ على إنسانٍ، فسَرَقَ من مالِه قَدْرَ دَيْنِه من حِرْزِه، نَظَرْتَ؛ فإنْ كان الغاصِبُ أو الغَرِيمُ باذِلًا لِمَا عليه، غيرَ مُمْتَنِعٍ من أدائهِ، أو قَدَرَ المالكُ على أخْذِ مالِه فتَرَكَه وسرقَ مالَ الغاصِبِ أو الْغَرِيمِ، فعليه القَطْعُ؛ لأنَّه لا شُبْهَةَ له فيه، وإن عَجَزَ عن اسْتِيفاءِ دَيْنِه، أو أرْشِ جِنَايَتِه، فسَرَقَ قَدْرَ دَيْنهِ، أو حَقِّه، فلا قَطْعَ عليه. وقال القاضي: عليه القَطْعُ، بِناءً على أصْلِنا في أنَّه ليس له أَخْذُ قَدْرِ دَيْنِه. ولَنا، أنَّ هذا مُخْتَلَفٌ في حِلِّه، فلم يجبِ الحَدُّ به، كالوَاطِىءِ (٨٨) في نِكاحٍ مُخْتلَفٍ في صِحَّتِه، وتحريمُ الأخْذِ لا يَمْنَعُ الشُّبْهَةَ الناشِئَةَ عن الاخْتلافِ، والحُدودُ تُدْرأُ بالشُّبُهاتِ. فإن سَرَقَ أكثرَ من دَينْهِ، فهو كالمَغْصُوبِ منه إذا سرقَ أكثرَ من مالِه، على ما مضَى.


(٨٤) في م: "عليه".
(٨٥) في م: "فيه".
(٨٦) سقط من: ب.
(٨٧) في م: "العلماء".
(٨٨) في ب، م: "كما لو وطىء".

<<  <  ج: ص:  >  >>