للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا يجوزُ إلَّا أن يُثِيبَه عنها (١٦)، فعلى هذا عليه أن يُعْطِيَه حتى يُرْضِيَهُ، فإن لم يَفْعَلْ فلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ. ويَحْتَمِلُ أن يُعْطِيَه قَدْرَ قِيمَتها. والأَوّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ هذا بَيْعٌ، فيُعْتَبَرُ فيه التَّرَاضِى، إلَّا أنَّه بَيْعٌ بالمُعَاطاةِ، فإذا عَوَّضَه عِوَضًا رَضِيَه، حَصَلَ البَيْعُ بما حَصَلَ من المُعَاطاةِ مع التَّرَاضِي بها، وإن لم يَحْصُل التَّرَاضِي، لم تَصِحَّ؛ لِعَدَمِ العَقْدِ، فإنَّه لم يُوجَد الإِيجابُ والقَبُولُ ولا المُعاطَاةُ مع التَّرَاضِي والأصْلُ في هذا قولُ عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه: مَنْ وَهَبَ هِبَةً أرادَ بها الثَّوَابَ، فهو على هِبَتِه، يَرْجِعُ فيها إذا لم يَرْضَ منها. ورُوِى مَعْنَى ذلك عن عليٍّ، وفَضَالةَ بن عُبَيْدٍ، ومالِكِ بن أنَسٍ. وهو قولُ الشافعِيِّ، على القولِ الذي يَرَى أنَّ الهِبَةَ المُطْلَقةَ تَقْتَضِى ثَوَابًا. وقد رَوَى أبو هُرَيْرَةَ، أنَّ أعْرَابِيًّا وَهَبَ للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ناقةً، فأعْطاهُ ثَلَاثًا فأبَي، فزَادَه ثَلَاثًا، فأبَى، فزَادَه ثَلَاثًا، فلما كَمُلَتْ تِسْعًا، قال: رَضِيتُ: فقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لقد هَمَمْتُ أنْ لَا أَتَّهِبَ إلَّا مِنْ قُرَشِيٍّ أو أنْصَارِيٍّ أو ثَقَفِيٍّ أو دَوْسِيٍّ". من "المُسْنَدِ" (١٧). قال أحمدُ: إذا تَغيَّرَتِ العَيْنُ المَوْهُوبةُ بزِيَادَةٍ أو نُقْصانٍ، ولم يُثِبْه منها، فلا أرَى عليه نُقْصانَ ما نَقَصَ عندَه إذا رَدَّه إلى صاحِبه، إلَّا أن يكونَ ثَوْبًا لَبِسَه، أو غُلَامًا اسْتَعْمَلَه، أو جارِيةً اسْتَخدَمَها، فأمَّا غيرُ ذلك إذا نَقَصَ فلا شىءَ عليه، فكان عندى مثلَ الرَّهْنِ، الزِّيَادَةُ والنُّقْصانُ لِصَاحِبِه.

٩٣٧ - مسألة؛ قال: (وإذَا قَالَ: دَارِى لَكَ عُمُرِى. أوْ هِىَ لَك عُمُرَكَ. فَهِىَ لَهُ ولوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ)

العُمْرَى والرُّقْبَى: نَوْعان من الهِبَةِ، يَفْتَقِرَانِ إلى ما يَفْتَقِرُ إليه سائِرُ الهبَاتِ من


(١٦) في الأصل: "منها".
(١٧) المسند ٢/ ٢٤٧.
كما أخرجه النسائي، في: باب عطية المرأة بغير إذن زوجها، من كتاب العمرى. المجتبى ٦/ ٢٣٧. وعبد الرزاق، في: باب الهبات، من كتاب المواهب. المصنف ٩/ ١٠٥، ١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>