للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُضارَبةً، ولأنَّه إذا لم يَسْتَحِقَّ ما شَرَطَهُ له رَبُّ المالِ في المُضَارَبةِ الفاسِدَةِ، فما شَرَطَهُ له غيرُه بغيرِ إِذْنِه أَوْلَى.

فصل: وإن أَذِنَ رَبُّ المالِ في دَفْعِ المالِ مُضارَبةً، جَازَ ذلك. نَصَّ عليه أحمدُ. ولا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا. ويكونُ العامِلُ الأَوَّلُ وَكِيلًا لِرَبِّ المالِ في ذلك. فإذا دَفَعَهُ إلى آخَرَ، ولم يَشْرُطْ لِنَفْسِه شيئا من الرِّبْحِ، كان صَحِيحًا. وإن شَرَطَ لِنَفْسِه شيئا من الرِّبْحِ، لم يَصِحَّ؛ لأنَّه ليس من جِهَتِه مالٌ ولا عَمَلٌ، والرِّبْحُ إنَّما يُسْتَحَقُّ بواحِدٍ منهما. وإن قال: اعْمَلْ برأْيِكَ، أو بما أرَاكَ اللهُ. جَازَ له دَفْعُه مُضَارَبةً. نَصَّ عليه؛ لأنَّه قد يَرَى أن يَدْفَعَهُ إلى أبْصَرَ منه. ويَحْتَمِلُ أن لا يجوزَ له ذلك؛ لأنَّ قَوْلَه: اعْمَلْ برأْيِكَ. يَعْنِى في كَيْفِيَّةِ المُضارَبةِ والبَيْعِ والشِّراءِ وأنْواعِ التِّجَارَةِ، وهذا يَخْرُجُ به عن المُضَارَبةِ، فلا يَتَناوَلُه إِذْنُه.

فصل: وليس له أن يَخْلِطَ مالَ المُضَارَبةِ بمَالِه، فإن فَعَلَ ولم يَتَمَيَّزْ، ضَمِنَه؛ لأنَّه أمَانةٌ، فهو (٤٢) كالوَدِيعَةِ. فإن قال له: اعْمَلْ برأْيِكَ. جَازَ (٤٣) ذلك. وهو قولُ مالِكٍ، والثَّوْرِىِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. وقال الشَّافِعِىُّ: ليس له ذلك. وعليه الضَّمَانُ إن فَعَلَهُ؛ لأنَّ ذلك ليس من التِّجَارَةِ. ولَنا، أنَّه قد يَرَى الخَلْطَ أَصْلَح له، فيَدْخُلُ في قَوْلِه: اعْمَلْ برأْيِكَ. وهكذا القولُ في المُشَارَكةِ به ليس له فِعْلُها، إلَّا أن يقولَ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ. فيَمْلِكُها.

فصل: وليس له أن يَشْتَرِىَ خَمْرًا ولا خِنْزِيرًا، سواءٌ كانا مُسْلِمَيْنِ أو كان أحَدُهُما مُسْلِمًا والآخَرُ ذِمِّيًّا، فإن فَعَلَ، فعليه الضَّمَانُ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: إن كان العامِلُ ذِمِّيًّا صَحَّ شِرَاؤُه لِلْخَمْرِ، وبَيْعُه إيّاها؛ لأنَّ المِلْكَ عندَه يَنْتَقِلُ إلى الوَكِيلِ، وحُقُوقُ العَقْدِ تَتَعَلَّقُ به. وقال أبو يوسفَ ومحمدٌ: يَصِحُّ شِرَاؤُه إيَّاها؛ لأنَّ


(٤٢) في أ، ب، م: "فهى".
(٤٣) في م زيادة: "له".

<<  <  ج: ص:  >  >>