للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال فى المَسْأَلَةِ الأُولَى: لا تَجِبُ الزكاةُ، ولا يَكُونُ المُخْرَجُ زكاةً. وقال فى هذه المَسْأَلَةِ: لا يَجِبُ عليه زِيَادَةٌ؛ لأنَّ ما عَجَّلَهُ زَالَ مِلْكُه عنه، فلم يُحْسَبْ من مَالِه، كما لو تَصَدَّقَ به تَطَوُّعًا. ولَنا، أنَّ هذا نِصابٌ تَجِبُ فيه الزَّكَاةُ بِحَوْلِ الحَوْلِ، فجَازَ تَعْجِيلُها منه. كما لو كان أَكْثَرَ مِن أرْبَعِينَ، ولأنَّ ما عَجَّلَهُ بِمَنْزِلَةِ المَوْجُودِ فى إجْزَائِه عن مَالِه، فكان بِمَنْزِلَةِ المَوْجُودِ فى تَعَلُّقِ الزكاةِ به، ولأنَّها لو لم تُعَجَّلْ كان عليه شَاتَانِ، فكذلك إذا عُجِّلَتْ؛ لأنَّ التَّعْجِيلَ إنَّما كان رِفْقًا بالمَساكِينِ، فلا يَصِيرُ سَبَبًا لِنَقْصِ حُقُوقِهم، والتَّبَرُّعُ يُخْرِجُ ما تَبَرَّعَ به عن حُكْمِ الوُجُودِ (٢٠) فى مَالِه؛ وهذا فى حُكْمِ الوُجودِ (٢٠) فى الإجْزَاءِ عن الزَّكَاةِ.

فصل: وكلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا لا يُجْزِئُه ما عَجَّلَه من (٢١) الزَّكَاةِ، فإن كان دَفَعَها إلى الفُقَرَاءِ مُطْلَقًا، فليس له الرُّجُوعُ فيها، وإن كان دَفَعَها بِشَرْطِ أنَّها زكاةٌ مُعَجَّلَةٌ فهل له الرُّجُوعُ؟ على وَجْهَيْنِ، يَأْتِى تَوْجِيهُهما.

فصل: فأمَّا تَعْجِيلُ العُشْرِ من الزَّرْعِ والثَّمَرَةِ، فظاهِرُ كلامِ القاضى: أنَّه لا يجوزُ؛ لأنَّه قال: كلُّ ما تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ فيه بِسَبَبَيْنِ (٢٢)؛ حَوْلٍ ونِصَابٍ، جَازَ تَعْجِيلُ زكاتِه. فمَفْهُومُ هذا أنَّه لا يجوزُ تَعْجِيلُ زكاةِ غيرِه؛ لأنَّ الزكاةَ مُعَلَّقَةٌ بِسَبَبٍ واحِدٍ، وهو إدْرَاكُ الزَّرْعِ والثَّمَرَةِ، فإذا قَدَّمَها قَدَّمَها قبلَ وُجُودِ سَبَبِها، لكنْ إن أدَّاهَا بعدَ الإدْرَاكِ، وقبل يُبْسِ الثَّمَرَةِ وتَصْفِيَةِ الحَبِّ، جازَ. وقال أبو الخَطَّابِ: يجوزُ إخْراجُها بعدَ وُجُودِ الطَّلْعِ والحِصْرِمِ (٢٣)، ونَبَاتِ الزَّرْعِ، ولا يجوزُ قبلَ ذلك؛ لأنَّ وُجُودَ الزَّرْعِ وإطْلَاعَ النَّخْلِ بِمَنْزِلَةِ النِّصَابِ، والإدْرَاكُ بِمَنْزِلَةِ حُلُولِ الحَوْلِ؛ فجازَ تَقْدِيمُها عليه، وتَعَلُّقُ الزكاةِ بالإدْرَاكِ لا يَمْنَعُ جَوازَ التَّعْجِيلِ،


(٢٠) فى م: "الموجود".
(٢١) فى م: "عن".
(٢٢) فى الأصل: "بشيئين".
(٢٣) الحصرم: أول العنب ما دام حامضا. وحصرم كل شىء: حشفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>