للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالآدَمِىِّ، فإن خِيفَ من نَزْعِه الهَلَاكُ أو إِبْطَاءُ بُرْئِه، فلا يَجِبُ نَزْعُه؛ لأنَّ الحَيَوانَ آكَدُ حُرْمَةً من عَيْنِ المالِ، ولهذا يجوزُ له أخْذُ (١١) مالِ غيرِه لِيَحْفَظَ حَيَاتَه، وإِتْلَافُ المالِ لِتَبْقِيَتِه، وهو ما يَأْكُلُه. وكذلك الدَّوَابُّ التي لا يُؤْكَلُ لَحْمُها، كالبَغْلِ والحِمَارِ الأَهْلِىِّ. الثالث، أن يَخِيطَ به جُرْحَ حَيَوانٍ مَأْكُولٍ، فإن كان مِلْكًا لغيرِ الغاصِبِ، وخِيفَ تَلَفُه بِقَلْعِه، لم يُقْلَعْ؛ لأنَّ فيه إِضْرَارًا بِصَاحِبِه، ولا يُزَالُ الضَّرَرُ بالضَّرَرِ، ولا يَجِبُ إِتْلَافُ مالِ مَن لم يَجْنِ صِيَانَةً لمالٍ آخَرَ، وإن كان الحَيَوانُ للغاصِبِ، فقال القاضي: (١٢) يَجِبُ رَدُّه؛ لأنَّه يُمْكِنُ ذَبْحُ الحَيَوانِ والانْتِفَاعُ بِلَحْمِه، وذلك جائِزٌ، وإن حَصَلَ فيه نَقْصٌ على الغاصِبِ، فليس ذلك بمَانِعٍ من وُجُوبِ رَدِّ المَغْصُوبِ، كنَقْصِ البِنَاءِ لِرَدِّ الحَجَرِ المَغْصُوبِ. وقال أبو الخَطَّابِ: فيه وَجْهَانِ؛ أحدهما، هذا. والثانى، لا يَجبُ قَلْعُه؛ لأنَّ لِلْحَيَوانِ حُرْمَةً في نَفْسِه، وقد نَهَى النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن ذَبْحِ الحَيَوانِ لغيرِ مَأْكَلَةٍ (١٣). ولأَصْحابِ الشّافِعِىِّ وَجْهانِ كهذَيْنِ. ويَحْتَمِلُ أن يُفَرَّقَ بين ما يُعَدُّ لِلأَكْلِ من الحَيَوانِ، كبَهِيمَةِ الأَنْعَامِ والدَّجَاجِ وأَكْثَرِ الطَّيْرِ، وبينَ ما لا يُعَدُّ له، كالخَيْلِ والطَّيْرِ المَقْصُودِ صَوْتُه؛ فالأَوَّلُ يَجِبُ ذبْحُه إذا تَوَقَّفَ رَدُّ المَغْصُوبِ عليه. والثانى، لا يَجِبُ؛ لأنَّ ذَبْحَهُ إِتْلَافٌ له، فجَرَى مَجْرَى ما لا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ. ومتى أمْكَنَ رَدُّ الخَيْطِ من غيرِ تَلَفِ الحَيَوانِ، أو تَلَفِ بعضِ أعْضَائِه، أو ضَرَرٍ كَثِيرٍ، وَجَبَ رَدُّه.

فصل: وإن غَصَبَ فَصِيلًا، فأَدْخَلَهُ دَارَه، فكَبِرَ ولم يَخْرُجْ من البابِ، أو خَشَبةً وأَدْخَلَها دَارَه، ثم بَنَى البابَ ضَيِّقًا، لا يَخْرُجُ منه إلَّا بِنَقْضِه، وَجَبَ نَقْضُه، ورَدُّ الفَصِيلِ والخَشَبَةِ، كما يُنْقَضُ البِنَاءُ لِرَدِّ السَّاجَةِ (١٤)، فإن كان حُصُولُه في الدَّارِ بغير


(١١) سقط من: م.
(١٢) في م زيادة: "لا".
(١٣) في ب، م: "أكله".
وأخرجه النسائي، في: باب إباحة صيد العصافير، من كتاب الصيد. المجتبى ٧/ ١٨٣. وذكره الحافظ ابن حجر في التلخيص، وعزاه إلى أبي داود في المراسيل. تلخيص الحبير ٣/ ٥٥.
(١٤) الساج: نوع من الخشب.

<<  <  ج: ص:  >  >>