للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل: وَلا فَرْقَ فى هذا بينَ كَوْنِ الشُّرَكاءِ مسلمين أو كافرين، أو بعضُهم مُسْلِمًا، وبعضُهم كافِرًا. ذكرَهُ القاضى. وهو قَوْلُ الشَّافِعِىِّ. وقال أبو الخَطَّابِ: فى الكافِرِ وَجْهٌ، أنَّه إذا أَعتَقَ نَصِيبَهُ من مُسْلِمٍ، أنَّه لا يَسْرِى إلى باقِيه، ولا يُقَوَّمُ عليه؛ لأَنَّه لا يَصِحُّ شِراءُ الكافِرِ عَبْدًا مُسْلِمًا. ولَنا، عُمومُ الخَبَرِ، ولأنَّ ذلِكَ ثَبَتَ لإِزالَةِ الضَّرَرَ، فاسْتَوَى فيه المُسْلِمُ والكافِرُ، كالرَّدِّ بالعَيْبِ، والغَرَضُ ههُنا تَكْمِيلُ العِتْقِ، ودَفْعُ الضَّررَ عن الشَّرِيكِ دون التَّمْلِيكِ، بخِلافِ الشِّراءِ، ولَوْ قُدِّرَ أنّ ههُنا تَمْليكًا، لَكانَ تَقْدِيرًا فى أدْنَى زمانٍ، حصَلَ ضَرُورَةَ تَحْصِيلِ العِتْقِ، وَلا ضَرَرَ فِيه، فإِنْ قُدِّرَ فيه ضَرَرٌ، فهو مَغْمُورٌ بالنِّسْبَةِ إلى ما يَحْصُلُ مِنَ العِتْقِ، فوجودُه كالعَدَمِ، وقياسُ هذا علَى الشِّراءِ غيرُ صحيحٍ؛ لما بَيْنَهما مِنَ الفَرْقِ، واللَّهُ أعلمُ.

١٩٤٨ - مسألة؛ قال: (فَإِنْ أَعْتَقَاهُ بَعْدَ عِتْقِ الأَوَّلِ، وقَبْلَ أَخْذِ القِيمَةِ، لم يَثْبُتْ لهما فِيه عِتْقٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صارَ حُرًّا بعِتْقِ الأَوَّلِ لَهُ)

يعنى أَنَّ العِتْقَ يَسْرِى إلى جميعِهِ باللَّفظِ، لا بِدَفْعِ القِيمَةِ، فيَعْتِقُ كُلُّه حينَ لَفْظِه (١) بالعِتْقِ، ويصيرُ حُرًّا، وتستَقِرُّ القِيمَةُ عليه، فلا يَعْتِقُ بعدَ ذلك بعِتْقِ غيرِه. وبهذا قال ابن شُبْرُمَةَ، وابنُ أبى لَيْلَى، والثَّوْرِىُّ، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ، وإسحاقُ، وابنُ المُنْذِرِ، والشَّافِعِىُّ فى قولٍ له، واختارَهُ المُزَنِىُّ. وقال الزُّهْرِىُّ، وعمرُو بنُ دينارٍ، ومالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، فى قولٍ (٢): لا يَعْتِقُ إِلَّا بدَفْعِ القِيمَةِ، ويكونُ قبلَ ذلك مِلْكًا لصاحِبه، يَنْفُذُ عِتْقُهُ فيه، ولا يَنْفُذُ تَصَرُّفُه فيه بغيرِ العِتْقِ. وهذا مُقْتَضَى قولِ أبى حنيفةَ. واحتجُّوا بقولِ النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قُوِّمَ علَيْهِ قِيمَةُ العَدْلِ، فأُعْطِىَ (٣) شُرَكاؤُهُ حِصَصَهُمْ، وعَتَقَ جَمِيعُ العَبْدِ" (٤). وفى لَفْظٍ رَواهُ أبو دَاوُدَ: "فَإِنْ كانَ مُوسِرًا يُقَوَّمُ علَيْهِ قِيمَةُ عَدْلٍ، لا وَكْسَ ولا شَطَطَ، ثُمَّ يَعْتِقُ". فجعَلَه عتيقًا بعد دَفْعِ القِيمَةِ، ولِأنَّ العِتْقَ إذا ثَبَتَ بعِوَضٍ ورَدَ


(١) فى أ، ب، م: "لفظ".
(٢) فى ب، م زيادة: "له".
(٣) فى أ: "وأعطى".
(٤) تقدم تخريحه، فى: ٧/ ٣٦٢.
قول النبى -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قوم عليه قيمة العدل". . . ولفظ أبى داود هما جزء من حديث ابن عمر الذى سيذكر المصنف بعض رواياته فى الصفحة التالية. وقد تقدم تخرج هذه الألفاظ فى الموضع المشار إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>