للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شىءَ على الْمُعْتِقِ؛ لما رَوى ابنُ التِّلِبِّ، عن أبيه، أَنَّ رجلًا أعْتَقَ شِقْصًا له فى مَمْلُوكٍ، فلم يُضَمِّنْهُ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. ذكَره أحمدُ، وروَاه (٣). ولأنَّه لو باع نَصِيبَه، لَاخْتَصَّ البيعُ به، فكذلك العِتْقُ (٤)، إِلَّا أن تكونَ جارِيَةً نَفِيسَةً، يُغالَى فيها، فيكونَ ذلِكَ بمنزِلَةِ الجِنايَةِ من المُعْتِقِ؛ للضَّرَرِ الَّذى أدْخَلَه على شريكِهِ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَعْتِقُ إِلَّا حِصَّةُ المُعْتِقِ، ولِشَريكِه الخِيارُ فى ثلاثةِ أشْياءَ؛ إن شاءَ (٥) أَعْتَقَ، وإن شَاء استَسْعَى العبْدَ، وإِنْ شاء ضَمَّنَ شَرِيكَه، فيَعْتِقُ حِينَئِذٍ. ولَنا، الحديث الذى رَويْناهُ، وهو حَديثٌ صحيحٌ، مُتَّفَقٌ عليه (٦)، ورواه مالِكٌ، فى "مُوَطَّأَهِ"، عن نافِعٍ، عن ابنِ عمرَ، فأثبَتَ النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- العِتْقَ فى جَمِيعِهِ، وأوْجَبَ قيمَةَ نَصِيب شريكِ المُعْتِقِ المُوسِر عليه، ولم يَجْعَلْ له خِيَرَةً، ولا لِغَيْرِهِ. ورَوَى قَتادَةُ، عن أبى الْمَلِيحِ، عن أبيه، أَنَّ رجُلًا من قَوْمِه أعْتَقَ شِقْصًا له من مَمْلُوكٍ، فرُفِعَ ذلِكَ إلى النَّبِىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجعَلَ خَلاصَهُ عليه فى مالِه، وقال: "لَيْسَ للَّهِ شَرِيكٌ" (٧). قال أبو عبدِ اللَّه: الصَّحيحُ أنَّه عن أبى المَليحِ، عن النَّبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، مُرْسَلٌ، وليس فيه عن أبيهِ. هذا مَعْنَى كلامِه. وقولُ الْبَتِّىِّ شاذٌّ، يُخالِفُ الأخْبارَ كُلَّها، فلا يُعَوَّلُ عليه. وحديثُ التِّلِبِّ يتَعَيَّنُ حَمْلُهُ على المُعْسِرِ، جَمْعًا بين الأحادِيثِ. وقياسُ العِتْقِ علَى البَيْعٍ لا يصِحُّ، فإِنَّ البَيْعَ لا يَسْرِى فيما إذا كان العَبْدُ كُلُّه له، والعِتْقُ يَسْرِى، فإنَّهُ لو باعَ نِصْف عَبْدِهِ، لم يَسْرِ، ولو أَعْتَقَ نِصْفَه، عَتَقَ كُلُّه. وإذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ وَلَاءَه يكونُ له؛ لأنَّه عَتَقَ بإعتاقِهِ [مِنْ مالِهِ] (٨)، وقد قال النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّما الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعتَقَ" (٩). وَلا خِلافَ فى هذا عندَ مَنْ يَرَى عِتْقَه عليه.


(٣) أخرجه أبو داود من طريق الإمام أحمد، فى: باب فى من روى أنه لا يستسعى، من كتاب العتق. سنن أبى داود ٢/ ٣٥٠. ولم نجده فى المسند.
(٤) فى ب: "المعتق".
(٥) سقط من: م.
(٦) تقدم تخريجه، فى: ٧/ ٣٦٢. ويضاف إليه: كما أخرجه الإمام مالك، فى: باب من أعتق شركا له فى مملوك، من كتاب العتق والولاء. الموطأ ٢/ ٧٧٢.
(٧) أخرجه أبو داود، فى: باب فى من أعتق نصيبا له من مملوك، منَ كتاب العتق. سنن أبى داود ٢/ ٣٤٨. والإمام أحمد، فى: المسند ٥/ ٧٤، ٧٥.
(٨) سقط من: أ.
(٩) تقدم تخريجه، فى: ٨/ ٣٥٩، ٣٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>