للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخِرَقِىُّ، وهو أحْسَنُ؛ لِأنَّ وَعْدَه بالفِعْلِ عندَ القُدْرَةِ عليه، دليلٌ على تَرْكِ (٤) قَصْدِ الإِضرارِ، وفيه نوعٌ مِن الاعْتِذارِ، وإخبارٌ بإزالَتِه للضَّرَرِ (٥) عندَ إمْكانِه، ولا يَحْصُلُ بقولِه: فِئْتُ إليكِ. شىءٌ من هذا. فأمَّا العاجِزُ لجَبٍّ (٦) أو شَلَلٍ، فَفيْئَتُه أَنْ يقولَ: لو قَدَرْتُ لجامعتُها. لأنَّ ذلك يُزِيلُ ما حَصَلَ بإيلائِه.

فصل: والإِحْرامُ كالمَرَضِ، فى ظاهر قَوْلِ الْخِرَقِىِّ. وكذلك على قِياسِه الاعتكافُ المَنْذورُ والظِّهارُ. وذكر أصحابُنا أَنَّ المُظاهِرَ لا يُمْهَلُ، ويُؤْمَرُ بالطَّلاقِ. فيُخَرَّجُ من هذا أَنَّ كُلَّ عُذْرٍ مِنْ فعلِه يَمْنَعُه الوَطْءَ لا يُمْهَلُ مِن أجْلِه. وهو مذهبُ الشَّافِعِىِّ؛ لِأنَّ الامْتناعَ بِسَبَبٍ منه، فلا يُسْقِطُ حكْمًا واجبًا عليه. فعلى هذا لا يُؤْمَرُ بالوَطءِ؛ لأنَّه مُحَرَّمٌ عليه، ولكن يُؤْمَرُ بالطَّلاقِ. ووَجْهُ القولِ الأوَّلِ، أنَّه عاجزٌ عن الوَطْءِ بأمرٍ لا يُمْكِنُه الخروجُ منه، فأَشْبَهَ المريضَ. فأمَّا المُظاهرُ، فيقال له: إمَّا أن تُكفِّرَ وتَفِىءَ، وإمَّا أَنْ تُطَلِّقَ. فإنْ قال: أمْهِلُونِى حتَّى أطْلُبَ رَقَبَةً، أو أُطْعِمَ. فإنْ عُلِمَ أنَّه قادِرٌ على التَّكْفيرِ فى الحالِ، وإنَّما يَقْصِدُ المُدافعةَ والتَّأخيرَ، لم يُمْهَلْ؛ لِأنَّ الحقَّ حالٌّ عليه. وإنَّما يُمْهَلُ للحاجةِ، ولا حاجةَ. وإِنْ لم يُعْلَمْ ذلك، أُمْهِلَ ثلاثةَ أيَّامٍ؛ لأنَّها قريبةٌ، ولا يزادُ على ذلك. وإِنْ كان فَرْضُه الصِّيامَ، فطَلَبَ الإِمْهالَ ليصومَ شهرَيْنِ متتابعَيْنِ، لم يُمْهَلْ؛ لِأنَّه كثيرٌ. ويَتَخَرَّجُ أن يَفِىءَ بلسانِه فَيْئَةَ المَعْذورِ، ويُمْهَلَ حتَّى يصومَ، كقَوْلِنا فى المُحْرِمِ. فإنْ وَطِئَها فقد عَصَى، وانْحَلَّ إيلاؤُه. ولها مَنْعُه منه؛ لأنَّ هذا الوَطْءَ مُحَرَّمٌ عليهما. وقال القاضى: يَلْزَمُها التَّمْكينُ، وإن امْتَنَعَتْ سَقَطَ حقُّها؛ لِأنَّ حقَّها فى الوَطْءِ، وقد بذَلَه لها، ومتى وَطِئَها فقد وفَّاها حقَّها، والتَّحْريمُ عليه دُونَها. ولَنا، أنَّه وَطْءٌ حرامٌ، فلا يَلْزَمُ التَّمْكينُ منه، كالوَطْءِ فى الحَيْضِ والنِّفاسِ. وهذا يَنْقُضُ دليلَهم. ولا نُسَلِّمُ كَوْنَ التَّحريمِ عليه دُونَها؛ فإنَّ الوَطْءَ متى حَرُمَ على أحدِهما حَرُمَ على


(٤) فى ب: "قول".
(٥) فى ب: "الضرر".
(٦) فى الأصل، ب: "بجب".

<<  <  ج: ص:  >  >>