للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّه قَتَلَه لِكُفْرِه (٤)، ولأنَّه (٥) قَتَلَ عَلِيًّا مُسْتَحِلًّا لِدَمِه، مُعْتَقِدًا كُفْرَه، مُتَقَرِّبًا بذلك إلى اللهِ تعالى. وقيل: قَتَلَه لِسَعْيِه في الأرْضِ بالفَسادِ، وإظْهارِ السِّلاحِ، فيكونُ كقاطِعِ الطَّرِيقِ إذا قَتَلَ. وقَتْلُه مُتَحَتِّمٌ، وهو إلى الإِمامِ، والحَسَنُ هو الإِمامُ، ولذلك لم يَنْتَظِر الغائِبِينَ من الوَرَثِةِ. ولا خِلافَ بيننا في وُجُوبِ انْتِظارِهم، وإن قُدِّرَ أنَّه قَتَلَه قِصاصًا، فقد اتفَقْنا على خِلَافِه، فكيف يَحْتَجُّ به بعضُنا على بعضٍ.

فصل: وإن كان الوارِثُ واحِدًا صغيرًا، كصَبِىٍّ قُتِلَتْ اُّمُّه، وليست زَوْجةً لأبِيه، فالقِصاصُ له، وليس لأبِيه ولا غيرِه (٦) استيفاؤُه. وبهذا قال الشافعيُّ. وقال أبو حنيفةَ، ومالكٌ: له اسْتِيفاؤُه. وكذلك الحكمُ في الوَصِىِّ والحاكمِ، في الطَّرَفِ دُونَ النَّفْسِ. وذكر أبو الخطَّابِ في موضعٍ في الأبِ رِوَايَتَيْنِ، وفي مَوْضِعٍ وَجْهَينِ، أحدهما، كقَوْلِهما (٧)؛ لأنَّ القِصاصَ أحَدُ بَدَلَىِ النَّفْسِ، فكان للأبِ اسْتيفاؤُه، كالدِّيَةِ. ولَنا، أنَّه لا يَمْلِكُ إيقاعَ الطَّلاقِ بزَوْجَتِه، فلا يَمْلِكُ استيفاءَ القِصاصِ له، كالوَصِىِّ، ولأنَّ القَصْدَ التَّشَفِّى ودَرْكُ الغَيْظِ، ولا يَحْصُلُ (٨) ذلك باسْتِيفاءِ الوَلِىِّ. ويُخالِفُ الدِّيَةَ، فإنَّ الغَرَضَ يَحْصُلُ باسْتِيفاءِ الأبِ له، فافْتَرقا، ولأنَّ الدِّيَةَ إنَّما يَمْلِكُ اسْتيفاءَها إذا تَعَيَّنَتْ، والقِصاصُ لا يَتَعَيَّنُ، فإنَّه يجوزُ العَفْوُ إلى الدِّيَةِ، والصُّلْحُ على مالٍ أكثرَ منها وأقَلَّ، والدِّيَةُ بخِلافِ ذلك.

فصل: وكلُّ موضعٍ وجَبَ تأْخيرُ الاسْتيفاءِ، فإنَّ القاتِلَ يُحْبَسُ حتى يَبْلُغَ الصَّبِىُّ، ويَعْقِلَ المجنونُ، ويَقْدَمَ الغائبُ، وقد حَبَسَ مُعاوِيةُ هُدْبةَ بن خَشْرَمٍ في قِصاصٍ حتى بَلَغَ ابنُ القَتِيلِ، في عَصْرِ الصَّحابةِ، فلم يُنْكَرْ ذلك، وبَذَلَ الحسنُ والحسينُ وسعيدُ بن


(٤) في م: "بكفره".
(٥) سقطت الواو من: م.
(٦) في ب: "لغيره".
(٧) في م: "كقولنا".
(٨) في ب: "يحتمل".

<<  <  ج: ص:  >  >>