للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زَوْجَتِه أو عَبْدِه أَنْ لا يخْرُجَ إِلَّا بإذْنِه، فعَتَقَ العبدُ، وطَلَّقَ الزَّوْجَةَ، وخَرَجَا بغيرِ إذْنِه، لا يَحْنَثُ؛ لأَنَّ قَرِينَةَ الحالِ تنقلُ حُكْمَ الكلامِ إلى نَفْسِها، وإنَّما يَمْلِكُ مَنْعَ الزَّوْجَةِ والعَبْدِ مع وِلايَتِه عليهما، فكأنَّه قال: ما دُمْتُما فى مِلْكِى. ولأَنَّ السَّبَبَ يَدُلُّ على النِّيَّةِ فى الخُصوصِ، كدِلالَتِه عليها فى العُمومِ، ولو نَوَى الخُصوصَ لاخْتَصَّت يَمِينُه به، فكذلك إذا وجدَ ما يَدُلُّ عليها. ولو حَلَفَ لعامِلٍ أن (٧) لا يخْرُجَ إِلَّا بإذْنِه فعُزِلَ، أو حَلَفَ أَنْ لا يَرَى مُنْكَرًا إِلَّا رَفَعَه إلى فُلانٍ القاضِى فعُزِلَ، ففيه وَجْهان، بِناءً على ما تَقَدَّمَ؛ أحدُهما، لا تَنْحَلُّ اليَمِينُ بعَزْلِه. قال القاضِى: هذا قياسُ المذهبِ؛ لأَنَّ اليَمِينَ إذا تَعَلَّقَت بعَيْنٍ مَوْصُوفَةٍ، تَعَلَّقَتْ بالعينِ وإِنْ تَغَيَّرَتَ الصِّفَةُ. وهذا أحدُ الوَجْهَيْن لأصْحابِ الشافِعِىِّ. والوَجْهُ الآخَرُ، تَنْحَلُّ اليَمِينُ بعَزْلِه. وهو مذهبُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّه لا يُقالُ: رَفَعَه إليه. إِلَّا فى حالِ وِلايَتِه. فعلى هذا، إِنْ رَأَى المُنْكَرَ فى وِلايَتِه، فأَمْكَنَه رَفْعُه فلم يَرْفَعْه إليه حتى عُزِلَ، لم يَبَرَّ بِرَفْعِه إليه حالَ كَوْنِه مَعْزُولًا. وهل يَحْنَثُ بعَزْلِه (٨)؟ فيه وَجْهان؛ أحَدُهما، يَحْنَثُ؛ لأنَّه قد فاتَ رَفْعُه إليه، فأشْبَهَ ما لو ماتَ. والثانى، لا يَحْنَثُ؛ لأَنَّه لم يَتَحَقَّقْ فَواتُه، لاحْتِمالِ أَنْ يَلِىَ فيَرْفَعَه إليه، بخلافِ ما إذا ماتَ، فإنَّه يَحْنَثُ؛ لأَنَّه قد تَحَقَّقَ فَواتُه، وإذا ماتَ قبلَ إمْكانِ رَفْعِه إليه، حَنِثَ أيضًا؛ لأَنَّه قد فاتَ، فأشْبَه ما لو حَلَفَ ليَضْرِبَنَّ عَبْدَه فى غَدٍ، فماتَ العَبْدُ اليومَ، ويَحْتَمِلُ أَنْ لا يَحْنَثَ؛ لأَنَّه لم يَتَمَكَّنْ من فعلِ المَحْلوفِ عليه، فأشْبَهَ المُكْرَهَ. وإِنْ قُلْنا: لا تَنْحَلُّ يَمِينُه بعَزْلِه. فرَفَعَه إليه بعدَ عَزْلِه، بَرَّ بذلِك.

فصل: فإنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ والنَّيَّةُ، مثل إِنْ امْتَنَّتْ عليه امْرَأَتُه بغَزْلِها، فحلَفَ أَنْ (٩) لا يلْبَسَ ثوبًا من غَزْلِها، يَنْوِى اجْتِنابَ اللُّبْسِ خاصَّةً، دونَ الانْتفاعِ بثَمَنِه وغيرِه، قُدَّمَت النِّيَّةُ على السَّبَبَ، وَجْهًا واحِدًا؛ لأنَّ النِّيَّةَ وَافَقَتْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ. وإِنْ نَوَى بيَمِينِه ثَوْبًا واحِدًا، فكذلك فى ظاهِرِ كلامِ الخِرَقِىِّ. وقال القاضِى: يُقَدَّمُ السَّبَبَ؛ لأَنَّ اللّفْظَ ظاهِرٌ فى العمومِ، والسَّبَبَ يُؤَكِّدُ ذلك الظاهِرَ ويُقَوِّيه؛ لأنَّ السَّبَبَ هو الامْتِنانُ، وظاهِرُ


(٧) سقط من: م.
(٨) فى م: "بفعله".
(٩) فى م: "أنه".

<<  <  ج: ص:  >  >>