للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَعْلَمُ له (٨) مُخالِفًا فى الصَّحابةِ، وما اسْتَشْهَدُوا بِه من المُطْلَقِ فى كلامِ اللَّه تعالى، فما ذَكَرْناه أَقَلُّه، فيُحْمَلُ عليه؛ لأَنَّه اليَقِينُ.

فصل: فإنْ حَلَفَ لا يُكَلِّمُه حُقْبًا، فذلك ثمانُون عامًا، وقال مالِكٌ: أرْبَعُون عامًا؛ لأنَّ ذلك يُرْوَى عن ابنِ عَبَّاسٍ. وقال القاضِى، وأصحابُ الشافِعِىِّ: هو أَدْنَى زمانٍ؛ لأنَّه لم يُنْقَلْ فيه عن أهْلِ اللُّغَةِ تَقْدِيرٌ. ولَنا، ما رُوِىَ عن ابنِ عَبّاسٍ، أنَّه قال فى تفسيرِ قولِه تعالى: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} (٩): الحُقْبُ ثمانون سَنَةً (١٠). وما ذَكَرَه القاضِى، وأصحابُ الشافِعِىِّ لا يصِحُّ؛ لأنَّ قولَ ابنِ عبَّاسٍ حُجَّةٌ، ولأنَّ ما ذَكَرُوه يُفْضِى إلى حَمْلِ كلامِ اللَّه تعالى: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} وقولِ موسى: {أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} (١١). إلى اللُّكْنَةِ؛ لأنَّه أخْرَجَ ذلك مَخْرج التَّكْثيرِ، فإذا صارَ مَعْنَى ذلك {لَابِثِينَ فِيهَا} ساعاتِ أو لَحَظاتٍ (١٢)، أو أَمْضِىَ لحظاتٍ وسَاعاتٍ (١٣)، صارَ مُقْتَضَى ذلك التَّقْليلُ، وهو ضِدُّ ما أرادَ اللَّه تعالى بكلامِه، وضِدُّ المَفْهُومِ منه، ولم يَذْكُرْه أحَدٌ من المُفَسِّرِين فيما نَعْلَمُ، فلا يجوزُ تفسِيرُ الحُقْبِ بِه.

فصل: فإنْ (١٤) حَلَفَ أَنْ (١٥) لا يُكَلِّمَه زَمَنًا، أو وَقْتًا، أو دَهْرًا، أو عُمْرًا، أو مَلِيًّا، أو طويلًا، أو بَعِيدًا، أو قَرِيبًا، بَرَّ بالقليلِ والكثيرِ، فى قولِ أبى الخَطَّاب، ومذهبِ الشافِعِىِّ؛ لأنَّ هذه الأَسْماءَ لا حَدَّ لها فى اللُّغَةِ، وتَقَعُ على القليلِ والكثيرِ، فوَجَبَ حَمْلُه على أقلِّ مما تَناوَلَهُ (١٦) اسْمُه، وقد يكونُ القَرْيبُ بعيدًا بالنِّسْبَةِ إلى ما هو أَقْرَبُ منه، وقَرِيبًا بالنِّسْبَةِ إلى ما هو أَبْعَدُ منه، ولا يجوزُ التَّحْديدُ بالتَّحَكُّم، وإنَّما يُصارُ إليه بالتَّوْقيفِ، ولا


(٨) فى م: "أنه".
(٩) سورة النبأ ٢٣.
(١٠) أخرجه ابن جرير، فى تفسير الآية. تفسير الطبرى ٣٠/ ١١.
(١١) سورة الكهف ٦٠.
(١٢) فى م: "ولحظات".
(١٣) فى م: "أو ساعات".
(١٤) فى م: "فإذا".
(١٥) سقط من: م.
(١٦) فى م: "يتناوله".

<<  <  ج: ص:  >  >>