للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصحابُ الرَّأْىِ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُها بالوُضُوءِ، فأَشْبَهَ العَادِمَ. وقال الشَّعْبِىُّ: يُصَلِّى عليها من غيرِ وُضُوءٍ ولا تَيَمُّمٍ؛ لأنَّها لارُكُوع فيها ولا سُجُود، وإنَّما هي دُعَاءٌ، فأشْبَهَتِ الدُّعَاءَ في غيرِ الصَّلَاةِ. ولنا، قَوْلُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ (٢١) ". وقَوْلُه: "لا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ (٢٢) ". وقَوْلُ اللهِ تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية، ثم أباحَ تَرْكَ الغُسْلِ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ الماءِ، بقولِه تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}، فما لم يُوجَدِ الشَّرْطُ يَبْقَى على قَضِيَّةِ العُمُومِ.

٧٥ - مسألة؛ قال: (وإذَا نَسِىَ الجَنَابَةَ وتَيَمَّمَ لِلْحَدَثِ لَمْ يُجْزِهِ)

وبهذا قال مالِكٌ، وأبو ثَوْرٍ. وقال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ: يُجْزِئُه؛ لأنَّ طهارتَهما واحدةٌ، فسَقَطَتْ إحْدَاهُما بِفِعْلِ الأُخْرَى كالبَوْلِ والغائِطِ. ولَنا، قَوْلُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّمَا [لِكُلِّ امْرِىءٍ] (١) مَا نَوىَ"، وهذا لم يَنْوِ الجَنابةَ، فلم يُجْزِهِ عنها، ولأنَّهما سَبَبان مُخْتَلِفَان، فلم تُجْزِ نِيَّةُ أحدِهما عن الآخَرِ، كالحَجِّ والعُمْرَةِ، ولأنَّهما طَهارتان، فلم تَتَأَدَّ إحْدَاهُما بِنِيَّةِ الأُخْرَى، كَطَهارةِ الماءِ عند الشَّافِعِىِّ، وفَارَقَ ما قَاسُوا عليه؛ فإنَّ حُكْمَهما واحِدٌ، وهو الحَدَثُ الأصْغَرُ، ولهذا تُجْزِىءُ نِيَّةُ أحَدِهما عن نِيَّةِ الآخَرِ في طَهَارَةِ الماءِ.

فصل: وإنْ تَيَمَّمَ لِلْجَنابةِ، لم يُجْزِهِ عن الحَدَثِ الأصْغَرِ؛ لما ذَكَرْنا. والخِلَافُ فيها كالتى قَبْلَها، فعلى هذا يَحْتَاجُ إلى تَعْيِينِ ما تَيَمَّمَ له مِن الحَدَثِ الأصْغَرِ والجَنابةِ


(٢١) أخرجه مسلم، في: باب وجوب الطهارة للصلاة، من كتاب الطهارة. صحيح مسلم ١/ ٢٠٤. وأبو داود، في: باب فرض الوضوء، من كتاب الطهارة ١/ ١٤. والترمذي، في: باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى ١/ ٨. والنسائي، في: باب فرض الوضوء، من كتاب الطهارة، وفى: باب الصدقة من غلول، من كتاب الزكاة. المجتبى ١/ ٧٥، ٥/ ٤٢. وابن ماجه، في: باب لا يقبل اللَّه صلاة بغير طهور، من كتاب الطهارة. سنن ابن ماجه ١/ ١٠٠. والدارمى، في: باب لا تقبل الصلاة بغير طهور، من كتاب الطهارة. سنن الدارمي ١/ ١٧٥. والإمام أحمد، في: المسند ٢/ ٢٠، ٣٩، ٥١، ٥٧، ٧٣، ٥/ ٧٤، ٧٥.
(٢٢) تقدم في صفحة ٢٣٨.
(١) في الأصل: "لأمرئ".

<<  <  ج: ص:  >  >>