يَنْقُلَ المِلْكَ إليه، كالهِبَةِ والبَيْعِ، ولأنَّه لو كان تَمْلِيكَ المَنْفَعَةِ المُجَرَّدَةِ لم يَلْزَمْ كالعارِيَّةِ والسُّكْنَى، ولم يَزُلْ مِلْكُ الواقِفِ عنه كالعارِيَّةِ، ويُفَارِقُ العِتْقَ، فإنَّه أخْرَجَهُ عن المالِيَّةِ، وامْتِنَاعُ التَّصَرُّفِ في الرَّقَبَةِ لا يَمْنَعُ المِلْكَ، كأُمِّ الوَلَدِ.
فصل: وألْفاظُ الوَقْفِ سِتَّةٌ، ثلاثةٌ صَرِيحَةٌ، وثَلَاثَةٌ كِنَايَةٌ، فالصَّرِيحَةُ: وَقَفْتُ، وحَبَّسْتُ، وسَبَّلْتُ. متى أتى بواحِدَةٍ من هذه الثَّلَاثِ، صارَ وَقْفًا من غير انْضِمَامِ أمْرٍ زائِدٍ؛ لأنَّ هذه الألفَاظَ ثَبَتَ لها عُرْفُ الاسْتِعْمالِ بين الناسِ، وانْضَمَّ إلى ذلك عُرْفُ الشَّرْعِ، بقول النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِعمرَ:"إن شِئْتَ حَبَّسْتَ أصْلَها، وسَبَّلْتَ ثَمَرَتَها"(٥). فصارَتْ هذه الألْفَاظُ في الوَقْفِ كلَفْظِ التَّطْلِيقِ في الطَّلَاقِ. وأما الكِنَايَة، فهى: تَصَدَّقْتُ، وحَرَّمْتُ، وأبَّدْتُ. فليست صَرِيحةً؛ لأنَّ لَفْظَةَ الصَّدَقَةِ والتَّحْرِيمِ مُشْتَرَكَةٌ، فإنَّ الصَّدَقَةَ تُسْتَعْمَلُ في الزَّكَاةِ والهِبَاتِ، والتَّحْرِيمَ يُسْتَعْمَلُ في الظِّهَارِ والأَيْمانِ، ويكونُ تَحْرِيمًا على نَفْسِه وعلى غيره، والتَأْبِيدَ يَحْتَمِلُ تَأْبِيدَ التَّحْرِيمَ، وتَأْبِيدَ الوَقْفِ، ولم يَثْبُتْ لهذه الأَلْفاظِ عُرْفُ الاسْتِعْمالَ، فلا يَحْصُلُ الوَقْفُ بمُجَرَّدِها، ككِنَاياتِ الطَّلَاقِ فيه. فإن انْضَمَّ إليها أحَدُ ثلاثةِ أشْياء، حَصَلَ الوَقْفُ بها، أحدها، أن يَنضَمَّ إليها لَفْظَةٌ أخرى تُخَلِّصُها من الألْفاظِ الخَمْسةِ، فيقول: صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ، أو مُحَبَّسَةٌ، أو مُسَبَّلَةٌ، أو مُحَرَّمَةٌ، أو مُؤَبَّدَةٌ. أو يقول: هذه مُحَرَّمَةٌ مَوْقُوفَةٌ، أو مُحَبَّسَةٌ، أو مُسَبَّلَةٌ، أو مُؤَبَّدَةٌ. الثاني، أن يَصِفَها بصِفَاتِ الوَقْفِ، فيقولَ: صَدَقَةٌ لا تُبَاعُ، ولا تُوهَبُ، ولا تُورَثُ؛ لأنَّ هذه القَرِينَةَ تُزِيلُ الاشْتِرَاكَ. الثالث، أن يَنْوِىَ الوَقْفَ، فيكون على ما نَوَى، إلَّا أنَّ النِّيَّةَ تَجْعَلُه وَقْفًا في الباطِنِ دُونَ الظاهِرِ، لِعَدَمِ الاطِّلَاعِ على ما في الضَّمائِرِ، فإن اعْتَرَف بما نَوَاه، لَزِمَ في الحُكْمِ؛ لِظُهُورِه، وإن قال: ما أرَدْتُ الوَقْفَ. فالقولُ قولُه، لأنَّه أعْلَمُ بما نَوَى.