للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاستَوَى في عدَدِه الحُرُّ والعبدُ، كسائرِ الحُدودِ.

١٥٩١ - مسألة؛ قال: (ولا يَنْزِعُ عَنْ إقْرَارِهِ حَتَّى يُقْطَعَ)

هذا قَوْلُ اكْثرِ الفُقَهاءِ. وقال ابنُ أبي ليلى، وداودُ: لا يُقْبَلُ رُجوعُه؛ لأنَّه لو أقرَّ لآدَمِىٍّ بِقِصَاصٍ أو حَقٍّ، لم يُقْبَلْ رُجُوعُه عنه. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- للسَّارِقِ: "مَا إِخَالُكَ سَرَقْتَ" (١). عَرضَ له لِيَرْجِعَ، ولأنَّه حَدٌّ للَّه تعالى، ثبتَ بالاعْترافِ، فقُبِلَ رجوعُه عنه، كحَدِّ الزِّنَى، ولأنَّ الحدودَ تُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ، ورُجوعُه عنه شُبْهَةٌ، لاحْتمالِ أن يكونَ كَذَبَ على نفسِه في اعْترافِه، ولأنَّه أحَدُ حُجَّتَى القَطْعِ، فيَبْطُلُ بالرُّجُوعِ عنه، كالشَّهَادَةِ، ولأنَّ حُجَّةَ القَطْعِ زالَتْ قبلَ اسْتيفائِه، فسقَطَ كما لو رجعَ الشُّهودُ. وفارَقَ حَقَّ الآدَمِىِّ، فإنَّه مَبْنِىٌّ على الشُّحِّ والضِّيقِ، ولو رَجَعَ الشُّهُودُ عن الشَّهَادَةِ بعدَ الحُكْمِ، لم يَبْطُلْ برُجوعِهم، ولم يَمْنَعِ اسْتِيفَاءَها. إذا ثبتَ هذا، فإنَّه إذا رَجَعَ قبلَ القَطْعِ، سَقَطَ [القَطْعُ، ولم] (٢) يسقُطْ غُرْمُ المسْروقِ؛ لأنَّه حَقُّ آدَمِىٍّ، ولو أقَّر مَرَّةً واحِدَةً، لَزِمَه غَرامَةُ المسروقِ دُونَ القَطْعِ. وإن كان رُجوعُه وقد قُطِعَ بعضُ المَفْصِلِ، لم يُتمِمْه إن كان يُرْجَى بُرْؤُه؛ لكَوْنِه قَطَعَ قليلًا، وإن قَطَعَ الأَكْثَرَ، فالمقطوعُ بالخِيارِ، إن شاءَ تركَه، وإن شاءَ قَطَعَه؛ ليسْتريحَ من تَعْليقِ كَفِّه، ولا يَلْزَمُ القاطِعَ قَطْعُه؛ لأنَّ قَطْعَه تَداوٍ، وليس بحَدٍّ.

فصل: قال أحمد: لا بأسَ بِتَلْقِينِ السَّارِقِ ليَرْجِعَ عن إقْرارِه. وهذا قولُ عامَّةِ الفقهاءِ. رُوِى عن عمرَ، أنَّه أُتِىَ برجلٍ، فسألَه: أَسَرَقْتَ؟ قُلْ: لا. فقال: لا. فترَكَه (٣). ورُوِىَ معنى ذلك عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ، وأبى هُرَيْرةَ، وابنِ مسعودٍ، وأبى


(١) تقدم تخريجه، في صفحة ١٥٩.
(٢) في م: "ولم القطع". خطأ.
(٣) أخرجه عبد الرزاق، في: باب ستر المسلم، بن كتاب اللقطة. المصنف ١٠/ ٢٢٤. وابن أبي شيبة بمعناه، في: باب في الرجل يؤتى به فيقال: أسرقت. . .، من كتاب الحدود ١٠/ ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>