للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشَّافِعِىُّ: لا يَصِحُّ الصُّلْحُ على مَجْهُولٍ؛ لأنَّه فَرْعُ البَيْعِ، ولا يَصِحُّ البَيْعُ على مَجْهُولٍ. ولَنا، ما رُوِىَ عن النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنَّه قال فى رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فى مَوَاريثَ دَرَسَتْ: "اسْتَهِمَا، وتَوَاخَيَا، ولْيَحْلِلْ أَحَدُكُمَا صَاحِبَهُ" (٣٨). وهذا صُلْحٌ على المَجْهُولِ. ولأنَّه إِسْقَاطُ حَقٍّ، فصَحَّ فى المَجْهُولِ، كالعَتَاقِ والطَّلَاقِ، ولأنَّه إذا صَحَّ الصُّلْحُ مع العِلْمِ، وإمكانِ أدَاءِ الحَقِّ بعَيْنِه، فَلَأَنْ يَصِحَّ مع الجَهْلِ أَوْلَى، وذلك لأنَّه إذا كان مَعْلُومًا فلهما طَرِيقٌ إلى التَّخَلُّصِ، وبَرَاءَةِ أحَدِهِما من صَاحِبِه بدُونِه، ومع الجَهْلِ لا يُمْكِنُ ذلك، فلو لم يَجُزِ (٣٩) الصُّلْحُ أَفْضَى إلى ضَيَاعِ المالِ، على تَقْدِيرِ أن يكونَ بينهما مالٌ لا يَعْرِفُ كلُّ واحدٍ منهما قَدْرَ حَقِّه منه (٤٠). ولا نُسَلِّمُ كَوْنَه بَيْعًا، ولا فَرْعَ بَيْعٍ، وإنَّما هو إِبْرَاءٌ. وإن سَلَّمْنَا كَوْنَه بَيْعًا، فإنَّه يَصِحُّ فى المَجْهُولِ عندَ الحاجَةِ، بِدَلِيلِ بَيْعِ أسَاسَاتِ الحِيطَانِ، وطَىِّ الآبَارِ، وما مَأْكُولُهُ فى جَوْفِه، ولو أتْلَفَ رَجُلٌ صُبْرَةَ طَعَامٍ لا (٤١) يَعْلَمُ قَدْرَها، فقال صَاحِبُ الطَّعَامِ لِمُتْلِفِه: بِعْتُكَ الطَّعَامَ الذى فى ذِمَّتِكَ [بهذه الدَّرَاهِم] (٤٢)، أو بهذا الثَّوْبِ. صَحَّ. إذا ثَبَتَ هذا، فإن كان العِوَضُ فى الصُّلْحِ ممَّا لا يَحْتَاجُ إلى تَسْلِيمِه، ولا سَبِيلَ إلى مَعْرِفَتِه، كالمُخْتَصِمين فى مَوَارِيث دَارِسةٍ، وحُقُوقٍ سَالِفَةٍ، أو عَيْنٍ من المالِ لا يَعْلَمُ كلُّ واحدٍ منهما قَدْرَ حَقِّه منها، صَحَّ الصُّلْحُ مع الجَهَالَةِ من الجانِبَيْنِ؛ لما ذَكَرْنَاهُ من الخَبَرِ والمَعْنَى. وإن كان ممَّا يَحْتَاجُ إلى تَسْلِيمِه، لم يَجُزْ مع الجَهَالَةِ، ولا بُدَّ من كَوْنِه مَعْلُومًا؛ لأنَّ تَسْلِيمَه وَاجِبٌ، والجَهَالَةُ تَمْنَعُ التَّسْلِيمَ، وتُفْضِى إلى التَّنَازُعِ، فلا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الصُّلْحِ.

فصل: فأمَّا ما يُمْكِنُهما مَعْرِفَتُه، كَتَرِكَةٍ مَوْجُودَةٍ، أو يَعْلَمُه الذى هو عليه، ويَجْهَلُه صَاحِبُه، فلا يَصِحُّ الصُّلْحُ عليه مع الجَهْلِ. قال أحمدُ: إن صُولِحَت امْرَأَةٌ من


(٣٨) تقدم تخريجه فى: ٦/ ٢٦٥.
(٣٩) فى الأصل، م: "يجر".
(٤٠) سقط من: ب.
(٤١) فى ب: "ولا".
(٤٢) فى ب: "بهذا الدرهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>